بقلم بروفيسور إبراهيم أبو جابر القائم بأعمال رئيس

حزب الوفاء والإصلاح في الداخل الفلسطيني

 

 

القضيّة الفلسطينيّة في خطر

تمرّ القضيّة الفلسطينيّة حالياًّ بمرحلةٍ دقيقةٍ جداً، بل هي الأدقّ منذ نكبة عام 1948، تلك الّتي حرمت الشّعب الفلسطيني من تحقيق حلمه الوطني في إقامة دولته المستقلّة على تراب وطنه.

يعلم الجّميع أنّ مؤامرةً كبرى إقليميّةً وعابرةً للبحار أيضاً تعصف بالشّعب الفلسطيني، تهدّد وجوده وتعمل على نسف كلّ أحلامه وطموحاته، وتبدّد كلّ تضحياته منذ حوالي مئة عامٍ خلت.

تواجه القضيّة الفلسطينيّة حالياًّ جملةً من المخاطر، أهمّها:

أوّلاً، تهجير الفلسطينيين خارج وطنهم ابتداءً من سكّان قطاع غزّة ثمّ الضفّة الفلسطينيّة، وقد تناقلت وسائل الإعلام أنباءً عن طرح الولايات المتّحدة والمؤسّسة الإسرائيليّة فكرة استيعاب الفلسطينيين على مجموعةٍ من الدّول، منها: ليبيا، والسّودان، والصّومال، وماليزيا واندونيسيا، وبعض دول أمريكا اللّاتينية، لكنّ ذلك كلّه مرهون طبعاً بموقف الفلسطينيين من التّهجير ككل وقابليّتهم لذلك.

ثانياً، ضمّ الأراضي المحتلّة عام 67 - الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة - للسّيادة الإسرائيليّة رسمياًّ، وقد سبق وأقرّ الكنيست الإسرائيليّ قبل أسابيع مبدأ الضمّ بأغلبيّة 71 عضواً، وستُناقش قضيّة فرض السّيادة الإسرائيليّة داخل الحكومة، قريبًا..

 انّ ضمُّ أراضي عام 67، يعني القضاء على حلم الدّولة الفلسطينيّة، وربّما حلّ السّلطة الفلسطينيّة واستبدالها بجسمٍ أو هيئةٍ أخرى مدنيّةٍ تُشرف على تقديم الخدمات للفلسطينيين وغير سياسيّة، في حين يُمنح المواطنون الفلسطينيون بطاقات هويّةٍ تُعرّف الفلسطينيين مُقيمين وليسوا مواطنين، أي كما هو الحال بالنّسبة الفلسطينيّين المقدسيّين.

ثالثاً، تهويد الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 67 من خلال جملةٍ من الإجراءات كالاستيطان، وزيادة أعداد المستوطنين بهدف تغيير الطّابع الدّيمغرافي لصالح الإسرائيليين الى جانب التّغيير الطبوغرافي أيضاً، وإقامة مناطق صناعيّةٍ وبنيةٍ تحتيّةٍ، من شبكات طرقٍ وأنفاقٍ، وربّما مطارٍ أيضاً لفرض سياسة الأمر الواقع.

رابعاً، اعداد منهاجٍ تعليميٍّ، يُفرض تدريسه على المدارس الفلسطينيّة، ومعاقبة كلّ مؤسّسةٍ تربويّةٍ أو مدرّس يرفضه، بهدف تنشئة أجيالٍ جديدةٍ منفصلةٍ عن الواقع الفلسطيني والتّاريخ والجغرافية الفلسطينيّة، وتمرير مضامين تربويّةٍ وتعليميّةٍ تنسجم مع هويّة المؤسّسة الإسرائيليّة ورموزها التاريخيّة والوطنيّة والدّينيّة.

خامساً، حظر التعاطي مع الرّموز الوطنيّة الفلسطينيّة، كالعلم والنّشيد الوطني واحياء المناسبات الوطنيّة، وتمجيد الشّهداء ورموز الثّورة الفلسطينيّة وغيرها، لقتل روح الانتماء الوطنيّ لهذه الأرض، ومعاقبة من يُخالف هذه التّعليمات امّا بدفع غراماتٍ ماليّةٍ أو الحبس.

سادساً، تفريغ مفهوم الدّولة الفلسطينيّة من مضمونه ومعاقبة من يتعاطونه من الفلسطينيين، وتوظيف وسائل الاعلام على اختلافها لصالح بثّ روح اليأس أوّلًا في نفوس المواطنين الفلسطينيين واستحالة إقامة دولةٍ

فلسطينيّةٍ

سابعاً، زيادة فُرص الجّماعات اليهوديّة المتطرّفة وبدعمٍ من الحكومة الإسرائيليّة ومركّباتها الدّينيّة واليمينيّة، لهدم المسجد الأقصى المبارك، وإقامة معبدٍ مكانه، مستغلّين الضّعف العربيّ والإسلاميّ وإفلاس هؤلاء استراتيجيّاًّ ،وعجزهم عن مواجهة الواقع الحاليّ الّذي فرضته المؤسّسة الإسرائيليّة بالقوّة وبدعمٍ أمريكيٍّ كامل.

تملك المؤسّسة الإسرائيليّة الكثير من أدوات ووسائل التّأثير على الفلسطينيين وبالتّحديد الناشئة، ومن جُملة ذلك تفنيد أحقيّة الفلسطينيّين في هذه الأرض بعرض نصوصٍ تاريخيّةٍ مزوّرةٍ، ومقولة عدم ثبوت وجود دولةٍ فلسطينيّةٍ عبر الحقب التّاريخيّة عملياًّ.

انّ الحرب الجارية على الشّعب الفلسطيني، أو ما أطلق عليه البعض بحرب الإبادة والتّطهير العرقيّ، بخاصّةٍ على مستوى القطاع الفلسطيني، أكبر دليلٍ على ما سبق ذكره أعلاه من أفكارٍ، ولعلّ ما صرّح به "بنيامين نتنياهو" عن مشروع رسم خارطة شرق أوسطٍ جديدٍ ،وسعي الولايات المتّحدة والمؤسّسة الإسرائيلية الى إاكمال "إتّفاقيّات أبراهام"، بهدف التّطبيع مع العالم العربيّ وفرض سياسة الأمر الواقع على العواصم العربيّة وهيمنة تلّ أبيب على المشهد في الشّرق الأوسط، ورفض فكرة الدّولة الفلسطينيّة، كلّ ذلك يصبُّ في خانة "تصفية القضيّة الفلسطينيّة" تماماً، واستمرار تمدّد المؤسّسة الإسرائيليّة في الإقليم تدريجياً، حتى تحقيق ما يُطلقون عليه "إسرائيل الكبرى"، من النّيل الى الفُرات

وأخيراً فإنّ ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ، وكلّ محاولات تصفية القضيّة الفلسطينيّة سيُفشلها الشّعب الفلسطينيّ، بصموده وتمسّكه بثوابته الدينيّة والوطنيّة.