بقلم البروفيسور إبراهيم أبو جابر القائم بأعمال رئيس

حزب الوفاء والإصلاح في الداخل الفلسطيني

أزمة النّظام الدّولي

في ظلّ العدوان على غزّة

 

كشف العدوان الحاليّ على قطاع غزّة عمق الأزمة الّتي يعانيها النّظام الدّوليّ وعلى رأسه الأمم المتّحدة بكلّ مؤسّساتها، وعجزه التّام عن وقف العدوان الإسرائيلي الّذي قارب خمسة شهورٍ متتاليةٍ، ما يذكّر بعجز عصبة الأمم بعد الحرب العالميّة الأولى عن حلّ الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، واندلاع الحرب العالميّة الثّانية.

إنّ العجز المذكور، والّذي ساهم في تمادي الجيش الإسرائيلي في عدوانه على غزّة وارتكابه لآلاف المجازر هناك، يعود أصلاً لمجموعةٍ من الأسباب المرتبطة بجوهر بناء منظومة الأمم المتّحدة ابتداءً، والّتي صاغتها الدّول المنتصرة في الحرب العالميّة الثّانية خدمةً لمصالحها.

تعدّدت مظاهر عجز النّظام الدّولي والمؤسّسات الدوليّة في وقف العدوان على قطاع غزّة، ولا تزال عاجزةً حتّى السّاعة، رغم سقوط آلاف الضّحايا من المدنيين، ودمار ما نسبته أكثر من 70% من المنازل في غزّة وفق بعض الاحصائيات، وفقدان الأمن الفرديّ والجماعيّ والجوع والتشرّد، فمن هذه المظاهر والأدلّة ما يلي:

أوّلاً، ارتهان مجلس الأمن الدّولي، بل والمؤسّسات الدوليّة ومن جملتها محكمة العدل الدوليّة في لاهاي للدّول العظمى، وحقها في استخدام حقّ النّقض "الفيتو"، الّذي استخدمته الولايات المتّحدة ثلاث مرّات منذ اندلاع الحرب على غزّة، فأفشلت بذلك فُرص وقف الحرب وإطلاق النّار والقتل ، كان آخرها مشروع القرار الجزائري.

ثانياً، هيمنة الدّول الغربيّة وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة على المشهد السّياسي العالمي باستخدامها سياسة التّرغيب والتّرهيب أو العصا والجّزرة، ممّا حدا بالّدول الضّعيفة والفقيرة من مجموعة دول العالم الثّالث ومنها الدّول العربيّة والإسلاميّة، بالتّماهي بدرجةٍ عاليةٍ مع الموقف الأمريكي والغربي في التّعاطي مع العدوان على غزّة.

ثالثاً، عجز الأمم المتّحدة الكامل في القيام بمهامها الاجرائيّة والإغاثيّة والإنسانيّة في قطاع غزّة المنكوب، وتقديم المساعدات الأساسيّة للفلسطينيّين، ممّا يدلّ على مصادرة الطرف الإسرائيلي وبدعمٍ ظاهرٍ من الولايات المتّحدة الأمريكيّة للقرارات الصّادرة عن المؤسّسات الدوليّة، ومنها الجمعيّة العامّة، بل ومؤسّسة سكرتير عام الأمم المتّحدة نفسه.

رابعاً، موت الضّمير العالميّ، والصّمت الدّولي عن جرائم الحرب وقتل آلاف الفلسطينيّين وغالبيّتهم من النّساء والأطفال، ومنها الدّول العربيّة والإسلاميّة، والاكتفاء بالتّنديد والشّجب والمطالبة بوقفٍ لإطلاق النّار وتقديم المساعدات الإنسانيّة، عدا دولٍ آثرت اتّخاذ إجراءاتٍ دبلوماسيّةٍ واقتصاديّةٍ أو قانونية ،كجنوب أفريقيا،   في حقّ الجانب الإسرائيلي، ورفضها التّام لما تقوم به آلة الحرب الإسرائيليّة في قطاع غزّة.

خامساً، تمرّد المؤسّسة الإسرائيليّة على القرارات الدوليّة والمجتمع الدّوليّ دونما رادعٍ لها بالتّوازي مع النّفاق العالمي، ولعلّ موقفها غير المسؤول من وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وتأييد غالبيّة الدّول الغربيّة الكبرى لها أكبر دليلٍ على ذلك.

إنّ القضاء على الشّعوب أمرٌ مستحيلٌ، فالشّعوب وُجدت لتبقى، وهذا يندرج على الشّعب الفلسطيني أيضاً وباقي شعوب الأرض، وعليه، واهمٌ من يظنّ أنّ العدوان على قطاع غزّة هو نهاية القضيّة الفلسطينيّة، فالاحتلال عادةً راحلٌ، طال الزّمان أم قصر فلا يعمّر، والأمثلة يعجّ بها التّاريخ القديم والحديث.

إنّ تبعات استمرار تردّي النّظام الدّوليّ، إن لم يتمّ إصلاحه، كارثيةٌ لا محالة، وستعاني منها الشّعوب الفقيرة على جميع المستويات الحياتيّة، وأهمّ إصلاحٍ يجب البدءُ به هو الأمم المتّحدة وميثاقها ومؤسّساتها الرئيسيّة كمجلس الأمن أوّلاً ونظامه الأساسيّ، وهذا هو الخيار الأفضل، فإن لم يتيسّر ذلك بفعل نفوذ الدّول العظمى فالعالم أمام خيارٍ آخر هو الانسحاب منها وتأسيس منظّمةٍ جديدةٍ بديلاً عنها، خارج حدود الولايات المتّحدة الأمريكيّة، كي يصبح القرار الدوليّ مستقلاً وعادلاً وليس مرهوناً بدول الاستكبار العالمي.