بقلم البروفسور إبراهيم أبو جابر

القائم بأعمال رئيس حزب الوفاء والإصلاح

 

"العدوان على قطاع غزّة"

المجموعة الأوروبيّة تتنكّر للمبادئ الإنسانيّة

عانت القارّة الأوروبيّة أكثر من غيرها ويلات الحروب والصّراعات الطائفية والتوسعيّة والعرقيّة، حصدت أرواح عشرات الملايين من الأرواح، مثل "الحروب المقدّسة" الّتي دامت ثلاثين عاماً (1618-1648)، وحرب ما عُرف بالمئة عامٍ (1337-1453)، والصّراع الإقليمي فترة نابليون، ثمّ الحربين الكونيّتين  الأولى والثّانية.

هذه الصّراعات أسّست لعددٍ من المؤتمرات الدوليّة والاتفاقيات البينيّة أرست قواعد القوانين الدوليّة الإنسانيّة والسياسيّة والعسكريّة، وأهمّها اتفاقيّة وستفاليا عام 1648، ومخرجات مؤتمر فينّا عام 1815 وغيرهما كثيرٌ، ممّا أدّى إلى الاستقرار السّياسي والأمني ووقف التعدّي على حقوق الإنسان.

 

إنّ الموقف الأوروبيّ الأعوج اليوم من العدوان على قطاع غزّة، لا بل والمزدوج فيما يتعلّق بالدّعوة لوقف إطلاق النّار، ووقف الحرب المجنونة الجارية في القطاع، الّتي سقط ضحيّتها -حتّى السّاعة-  قرابة المائة ألفٍ من الفلسطينيين بين قتيلٍ وجريحٍ ومفقودٍ أو تحت الأنقاض، هذا الموقف دليلٌ قطعيٌ على تنكّر المجموعة الأوروبيّة لتلك المبادئ والقواعد القانونيّة، الّتي تبنّتها خلال مسيرتها التاريخيّة في التحرّر من هيمنة الكنيسة والإقطاع.

تناست الدّول الأوروبيّة مبادئ القانون الدّولي الإنساني، واتّفاقيّات حقوق الإنسان، لا بل كلّ المضامين القانونيّة الطبيعيّة والأعراف الدوليّة، بمواقفها المنحازة للطّرف الإسرائيلي على حساب ما تقوم به الآلة العسكريّة الإسرائيليّة في قطاع غزّة والمجازر اليوميّة هناك، في حقّ المدنيين من نساءٍ وأطفالٍ، واكتفت بإرسال المساعدات الإنسانيّة الشّحيحة.

إنّ الموقف الأوروبيّ المنحاز هذا، يتماهى مع الموقف الأمريكيّ الدّاعم تمامًا للطّرف الإسرائيلي، وهذا يعني بكلّ وضوحٍ استمرار تبعيّة الأنظمة الرّسميّة الأوروبيّة لأمريكا، وتجنّب التمرّد على قراراتها وسياساتها الدوليّة، بخاصةٍ على مستوى الشّرق الأوسط.

إنّ استمرار موقف المجموعة الأوروبيّة هذا - مع وجود بعض المؤشّرات على تغيّر ما فيه - لن يخدم مساعي وقف القتل والدّمار الحاصل في قطاع غزّة، الّذي طال كلّ شيءٍ وغيّر معالم البلاد وشرّد مئات الآلاف من بيوتهم، فبقاء موقف أوروبا على ما هو عليه سيضرّ كثيراً بالجّهود الرّامية إلى إيجاد حلٍ للقضيّة الفلسطينيّة يُنهي معاناة الشّعب الفلسطيني منذ أكثر من قرنٍ من الزّمان.

التّغيير في مواقف الدّول الأوروبيّة قد يحصل فقط عندما تستيقظ شعوبها، فتكسر حاجز الخوف من الولايات المتّحدة، وتتخلّص،عبر صناديق الاقتراع، من الأنظمة الموالية لواشنطن، وتُمارس دورها الحقيقي في

الدّفاع عن سيادتها لا بل تمتلك إرادتها وقرارها السّياسي المستقلّ، فالمواقف الأوروبيّة غير الدّاعمة لحقوق الفلسطينيين والمتجاهلة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، تسير بموازاة مواقف بعض الأنظمة العربيّة المُتواطئة أصلاً مع الممارسات الإسرائيليّة في قطاع غزّة والأراضي الفلسطينيّة المحتلّة الأخرى، دون استخدامها لأوراق الضّغط الكثيرة الّتي تمتلكها.

 

إنّ واجب الأنظمة الأوروبيّة، الّتي تشهد بلدانها مظاهراتٍ عارمةً ضدّ ما يحصل في قطاع غزّة تطالب بوقف الحرب ،هو تبنّي كلّ المساعي الدّاعية إلى نبذ العنف وقتل الأبرياء والتعدّي على حقوق الإنسان في غزّة، وحقّ الشّعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعودة اللّاجئين، وإقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة وعاصمتها القدس، دونما تدخّل خارجيٍ، بناءً على مقرّرات الأمم المتّحدة، والمبادئ الإنسانيّة والدينيّة والأعراف الدوليّة، وليس الانحياز للاحتلال، وتجاهل حقوق شعبٍ تحت الاحتلال، والتنكّر للقيم والمبادئ الإنسانيّة الّتي انتزعتها الشّعوب الأوروبيّة نفسها انتزاعاً من القياصرة والإقطاع والكنيسة.