بقلم أ. يوسف كيال
هبة القدس والأقصى والرهان الخاسر
مع كل ذكرى سنوية لهبة القدس والأقصى تترسخ قناعاتٌ ومسلماتٌ وطنيةٌ تستوجب استنهاض الحس الوطني وتتحوّل الى بوصلة لمسيرة التحرّر من الظلم والحفاظ على الثوابت الوطنية التي هي بالضرورة القلعة الحصينة للحفاظ على الهوية والحياة الكريمة على الأرض، مهما طال عمر الظلم والاحتلال.
أثبتت هبة القدس والأقصى، أنّ أبناء شعبنا الفلسطيني قد حسموا أمرهم عندما يتعرض أحد الثوابت لتهديدٍ حقيقيٍ من قبل أجهزة السلطة الحاكمة، فلإن كان التهديد للأمن القومي خطاً أحمر تضعه الدول عادة لتبرير أيّ موقف تتخذه سواء سياسيًا أو "ميدانيا" ، ولا يكون هناك خطوط حُمر عند اتخاذ هذه المواقف، فإن الاعتداء على أحد الثوابت لأبناء شعبنا هو مثيل الاعتداء على الأمن القومي لأي دولة.
ومن هذا المنطلق تستطيع أن تقرأ طبيعة ردّة فعل أبناء شعبنا بكافة مكوناته حين تمّ الاعتداء السافر على الأقصى وحرمته، ويدرك المشاهد أن ردة الفعل هذه التي تجسّدت في انتفاضة عارمة جاءت في سياق السيرورة الطبيعية ولسان الحال يقول "إن عدتم عدنا"، فهذا ما كان بعد أكثر من 20 عامًا، في هبة الكرامة.
إن الفعاليات التي تقوم بها لجنة المتابعة في ذكرى هبة القدس والأقصى من مسيراتٍ وطنيةٍ وزيارةٍ لأضرحةِ الشهداء، والتغطية الاعلامية والكتابات المختلفة، من مقالاتٍ وتحليلاتٍ تتجاوز قيمتها كإستحقاق وطني إحياءً لهذه الذكرى المؤلمة المُلْهِمة، لتكون بمثابة وقودٍ ثوري، وضخ دمٍ جديدٍ في شريان النضال وعامل توعيةٍ لا يُستهان به للأجيال الناشئة ومنارة لمسيرة مقارعة الظلم، يُستوحى ويُستلهم منها الهمة والتصميم والإرادة والصمود.
راهنت ولا تزال تراهن المؤسسة على نسيان الأجيال وانحسار الوعي والتردي في الأداء السياسي والعمل الوطني، والانشغال بملفاتٍ إجتماعيةٍ ثانويةٍ والعزوف عن الحراك الشعبي والاكتفاء بالمنصات الخطابية في الكنيست أو في شوارع تل أبيب وغيرها، واستقواء أبناء الداخل الفلسطيني على بعضهم بممارسة العنف بأبشع أشكاله، وبالتالي تغييب الذاكرة الوطنية والحفاظ على الثوابت... وفي هبة القدس والأقصى وبعدها هبة الكرامة أثبت أبناء الداخل الفلسطيني أنّ هذا الرهان للمؤسسة هو حتمًا رهانٌ خاسر.