بقلم البروفيسور إبراهيم أبو جابر
القائم بأعمال رئيس حزب الوفاء والإصلاح
السياسة الدوليّة: مرحلة المخاض
نحو بلورة نظام عالمي جديد
يمرّ العالم منذ حينٍ بمرحلةٍ دقيقةٍ جدًا، على مستوى السياسة الدوليّة، تُعيد إلى الأذهان تلك الّتي تلت الحرب العالميّة الثانية، الّتي انقسم فيها العالم بعدها إلى معسكرين أو قطبين رئيسيين، غربيّ وشرقيّ في ظلّ ما عُرف بالحرب الباردة.
إنّ هيمنة الولايات المتّحدة الأمريكيّة كقطب وحيدٍ عالميًا بعد انهيار المعسكر الشرقيّ، آخذةٌ في الانحسار، لما يشهده العالم - ممّا يمكن وصفه- بالفوضى العالميّة في منظومة السياسة الدوليّة وعدم الاستقرار. تتمثّل الفوضى السياسيّة المذكورة في عدّة قضايا دوليّةٍ مهمّةٍ قد تؤثّر بقوّةٍ على مستقبل العالم سياسيًا واستراتيجيًا وأمنيًا.
يتّجه العالم، إذن، اليوم وبقوّةٍ نحو إيجاد تكتّلاتٍ دوليّةٍ جديدةٍ على جميع المستويات الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة، ما يذكّر بمرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية، أي مرحلة الاستقطاب التي حاول من خلالها المعسكر الشرقيّ ضمّ أكبر عددٍ ممكنٍ من دول العالم الثالث، تحديدًا، إلى صفوفه والعكس صحيحٌ أيضًا الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والّتي أوجدت ما عُرف بالحرب الباردة بين المعسكرين.
يعيش العالم اليوم نفس التجربة السابقة، فالجاري عالميّاً بين روسيا والصين وحلفائهما من جهةٍ، والولايات المتّحدة وحلفائها من غربٍ وشرقٍ، هي حربٌ باردةٌ بين الطرفين، ومؤشرٌ قويٌ على بداية تشكّل معسكرٍ شرقيٍ يمتلك الكثير من المقوّمات الاقتصاديّة والعسكريّة.
بات مؤكّدًا أنّ الفوضى على مستوى السياسة الدوليّة، ومؤشّرات بلورة نظامٍ عالميٍ جديدٍ، سيدفع العالم أثمانًا لها، فلا مفرّ من اندلاع حروبٍ بالوكالة تكون دول العالم الثالث على الأغلب مسرحًا لها كما افتعلت ذلك الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفييتي سابقًا، لا بل ستؤدي هذه الحالة الدوليّة إلى العودة لسباق التسلّح عالميّا وبالذات الأسلحة الاستراتيجيّة والنوويّة. سباق التسلّح هذا سيرافقه أيضًا صراعٌ على الموارد بين القوى المتصارعة، ممّا قد يدفع نحو أزماتٍ اقتصاديّةٍ وارتفاعٍ في الأسعار، وحالةٍ من عدم الاستقرار الاقتصادي، لا بل سيشهد العالم أيضًا موجةً من الانقلابات وهيمنة العسكر على الحكم في دولٍ بعينها، وحالةٍ من عدم الاستقرار السياسي والأمني.
إنّ الحرب الروسيّة - الأوكرانيّة واسقاطاتها على الساحة الدوليّة، والحرب التجاريّة/الاقتصاديّة بين الولايات المتّحدة والصين، وبدء التكتّل الدوليّ على شكل محاور بناءً على قاعدة الاستقطاب المعروفة، والعودة إلى سباق التسلّح النووي بالذات، قد تكون لها اسقاطاتٌ كثيرةٌ على مستوى السياسة الدوليّة، ولن يُستبعد جرّ العالم إلى صراعٍ دوليٍ مدمّرٍ.
وأخيرًا فإنّ العالم مقبلٌ حسب كلّ المؤشّرات على مشهدٍ دوليٍ جديدٍ، يمكنّه أن يتطوّر إلى نظامٍ عالميٍ جديدٍ ومرحلة حربٍ باردةٍ تؤثّر سلبيًا على العلاقات الدوليّة، يدفع ثمنها العالم الثالث أي الدول الفقيرة، وإلى حالةٍ من عدم الاستقرار الأمنيّ والاقتصادي عالميًا.