بقلم البروفسور إبراهيم أبو جابر

القائم بأعمال رئيس حزب الوفاء والإصلاح

 

 

القضيّة الفلسطينيّة بين النّكبة والنّكسة  

تعرّض شعبنا الفلسطينيّ في العام 1948 لنكبةٍ غيّرت كلّ حساباته الوطنيّة والسياسيّة وحتّى الاجتماعيّة، ولا يزال يعاني الكثير من إسقاطاتها إلى اليوم، تلاها ما عُرف بالنّكسة.

تمكّنت الحركة الصهيونيّة أخيرًا من إقامة كيانٍ سياسيٍ من خلال مؤامرةٍ تاريخيّةٍ ثلاثيّةٍ مكوّنةٍ من القيادة العربيّة التقليديّة حينها والحركة الصهيونيّة وبريطانيا والدول الاستعماريّة الغربيّة. أقيمت هذه الدويلة المذكورة على حساب شعبنا الفلسطيني صاحب الأرض أصلاً والشرعيّ بالحديد والنّار في ملحمةٍ غيّرت وجه الإقليم دفع ثمنها شعبنا الفلسطينيّ الغالي والرخيص ولا يزال يعاني جراءها حتى تعود الحقوق إلى أهلها.

العدوان والمؤامرة لم تكتمل فصولها بنكبة عام48 وإنما استمرّت إلى ما عُرف بنكسة عام67 أي باستكمال المؤسّسة الإسرائيليّة احتلال كامل أراضي فلسطين الانتدابية، ممّا أثّر كثيرًا على مسيرة العمل الوطني الفلسطيني وأدخل الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في حالةٍ من انعدام الرؤية والأفق السياسي فأصبح التحرير وإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة والعودة أمرًا معقّدًا.

إنّ المشهد الفلسطيني العامّ معلومٌ جدًا للقاصي والدّاني فالموقف الدوليّ العامّ من القضيّة الفلسطينيّة منحازٌ للمؤسّسة الإسرائيليّة وغاضٌ الطرف عن كلّ الجرائم الإسرائيليّة شبه اليوميّة وعلى جميع المستويات - رغم تعقّله الخجول في الآونة الأخيرة - ممّا يمكن تسميته ب “النفاق السياسيّ الدوليّ" والّذي يشمل أيضًا الأمم المتّحدة والمؤسّسات الدوليّة الّتي ناقضت مواثيقها كثيرًا ولم تتجرّأ على تنفيذ قراراتها في حين طبّقت قرار التقسيم رقم 181 وغيره كثيرٌ.

جاءت ظاهرة التطبيع من قبل بعض الأنظمة العربيّة مع المؤسّسة الإسرائيليّة طعنةً غادرةً في خاصرة الشعب الفلسطيني أفقدته عمقه العربي- إن صحّ القول- وتركته وحيدًا في مواجهة الصلف الإسرائيلي. أمّا الطعنة الموجعة الأخرى فهي اعتراف منظّمة التحرير الفلسطينيّة (م. ت. ف) بالكيان الإسرائيلي كدولةٍ وتوقيع اتفاق أوسلو المشؤوم معها، ممّا كان له الأثر السيّء جدًا على مسيرة العمل الوطني الفلسطيني.

مارس الاحتلال الإسرائيلي ولا يزال كلّ أنواع القمع ضدّ أبناء شعبنا في الضفّة الغربيّة وغزّة من اعداماتٍ ميدانيّةٍ واعتقالاتٍ بالجملة وهدمٍ للبيوت ومصادرةٍ للأراضي واغلاقاتٍ ظالمةٍ، كلّ ذلك منعًا لمشروع إقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة وفرض حقائق على الأرض باطلةً في أصلها لأنها مبنيّةٌ على باطلٍ وما بني على باطلٍ فهو باطلٌ.

وحري القول في السياق رغم ما سلف وغيره كثيرٌ أنّ المشروع الصهيوني لم ينجح كاملةً وإنّما فشل فشلاً ذريعًا وذلك من عدّة أوجهٍ من أهمّها:

أولاً، فشل الصهاينة في تهجير كلّ يهود العالم إلى فلسطين فلم يتمكّنوا من إقناع كافّة هؤلاء رغم كلّ الإغراءات الماديّة وغير الماديّة الّتي حاولوا من خلالها حمل اليهود على الهجرة إلى فلسطين.

ثانيّا، فشل الصهاينة أيضًا في تهجير كافّة أبناء الشّعب الفلسطيني من وطنهم، فيعيش اليوم في كافّة مناطق فلسطين الانتدابية أكثر من سبعة ملايين فلسطيني.

ثالثًا، فشل الصهاينة في أسرلة وطمس الهويّة الفلسطينيّة، سواءً الدينيّة أو الوطنيّة، وهذا يقينًا حملهم على التفكير في أساليب أخرى لدمج العرب في المجتمع الإسرائيلي.

رابعًا، فشل الصهاينة في إقناع العالم كلّه بالرواية الإسرائيلية، وبدأ يقتنع بالرواية الفلسطينيّة الصّحيحة.

وعليه فلا يصحّ إلاّ الصّحيح، فشعبنا الفلسطينيّ حيٌ ولن يرضى بغير نيل حقوقه المشروعة والقانونيّة على أرضه كباقي شعوب الأرض وتطبيق مبدأ "حقّ تقرير المصير" الذي تبنّته الأمم المتّحدة في ميثاقها والقرارات الدوليّة الأخرى، بالتوازي مع استمرار المسيرة الوطنيّة دفاعًا عن الكرامة والوجود الفلسطينيّ.