بقلم د. حسن صنع الله

 

تداعيات التعديلات القانونية الإسرائيلية على الفلسطينيين

 

لا يبالغ المحللون الإسرائيليون عندما يصفون الدولة بأنها دخلت في مرحلة الخراب، فالتمازج السياسي بين الصهيوني والديني منذ ما يزيد على الخمسة عقود رسمت خارطة طريق تسير بهذه المؤسسة نحو التفكك الذاتي، بسبب التحالف بين معسكرين متناقضين الأول خاطف والثاني مختطف تجمع بينهما المصالح الشخصية لكل معسكر.

التحالف الحكومي الحالي هو تتويج لهذا التحالف الهجين بين اليمين الصهيوني واليهودية الدينية، وهذا التحالف اليوم، وبعد ان بنى دولته العميقة في داخل هذه المؤسسة، يريد الاستئثار والتفرد بالحكم وبالقرار السياسي، من خلال ما يسمى إصلاحات قضائية وعلى رأسها "فقرة التغليب" تدفع نحو تقويض اخر معاقل الديمقراطية النسبية "للمواطنين اليهود" داخل هذه المؤسسة من خلال تقويض الجهاز القضائي والمحكمة العليا، وبمعنى اخر تحول المؤسسة الى دولة دكتاتورية كباقي الدول المحيطة بها وتلاشي اكذوبة "واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

التعديلات القضائية ستزيد من فرص الفساد وتجعل من السلطة التنفيذية فوق القانون ومصلحة افرادها مقدمة على الصالح العام، كيف لا والوزير سيصبح بإمكانه اقالة أي مستشار قضائي في مكتبه. وأعضاء الائتلاف الحكومي سيمنحون الحكومة تفويض كامل وسيشرعون قوانين تتلاءم وأجندة احزابها، هذا ناهيك عن أن التعيينات ستسير وفق الانتماء السياسي والحزبي. وفي ظل وجود نظام من هذا النوع ستتراجع داخل المؤسسة المنظومات الاقتصادية والتعليمية والصحية، ناهيك عن غياب العدالة والحريات الشخصية والجمعية وازدياد القمع الأمني والبوليسي.

الجانب الفلسطيني على طرفي الخط الاخضر سيكون أكبر المتضررين من هذه التعديلات، فهو الذي يعاني من غياب النزاهة في الجهاز القضائي أصلا، وعليه على صعيد الضفة الغربية سوف تزداد التشريعات التي تعزز الحكم العسكري وتوسيع الاستيطان وتشرعن البؤر الاستيطانية وتصادر الاراضي وتقيد البناء الفلسطيني في الضفة، هذا ناهيك عن سياسات الطرد والترحيل وشرعنة اعمال القتل والاعدامات الميدانية وسياسات العقاب الجماعي واغلاق جمعيات ومؤسسات وطنية. بالإضافة الى تعزيز وسائل القمع ضد الاسرى الأمنيين داخل السجون الإسرائيلية من قبل مصلحة السجون.

أما على صعيد الداخل الفلسطيني ستقوم المؤسسة بتعزيز سياسات الضبط والسيطرة والتمييز العنصري ومصادرة الحريات وتعزيز العنف الشرطي ضد أبناء الداخل الفلسطيني بحجة محاربة الجريمة. كما ستقوم بتعزيز سياسات التهويد في الجليل والنقب والمدن الساحلية، وستسعى المؤسسة الى تعزيز مشاريع الاسرلة في الداخل الفلسطيني وصهينة المناهج التعليمية أكثر مما هي عليه اليوم، هذا ناهيك عن محاربة أي برنامج لا منهجي داخل المدارس يحمل طابع او عنوان للهوية الوطنية الفلسطينية.

 

في ظل هذه الحكومة ستزداد الملاحقات الأمنية للحركات والأحزاب والقيادات السياسية، وقد تشهد هذه المرحلة اغلاق مؤسسات وإخراج حركات عن القانون، وها نحن نشهد كيف بدأت ماكينة الاعلام الإسرائيلية بالتحريض فعليا على شخصيات قيادية بالداخل متهمة إياها بأنها تشكل نخبة ضمن فريق تحريض لما يسمى اثارة اعمال العنف في شرقي القدس المحتلة. وفي مسعى منها لقمع الحريات على وسائل التواصل الاجتماعي اقرت الحكومة الإسرائيلية ممثله بوزارة الامن القومي مشروع محاربة ما يسمى بالإرهاب على وسائل التواصل من خلال تشكيل فريق جديد لمحاربة ما يسمى التحريض والإرهاب على الشبكات.

مما يلاحظ ان الحكومة الإسرائيلية اقرت مشروع قانون بالقراءة الثانية والثالثة لسحب المواطنة أو الإقامة وإبعاد كل أسير فلسطيني يحصل على مساعدات مالية من السلطة الفلسطينية، ويسمح القانون لوزير الداخلية بسحب المواطنة أو الإقامة من شخص أدين بجريمة “إرهابية” وحصل على مخصصات مالية من السلطة الفلسطينية، وترحيله إلى الضفة الغربية أو إلى قطاع غزة، وذلك بتأييد 95 عضو كنيست ومعارضة تسعة أعضاء، وهذا يعني ان الائتلاف والمعارضة كانا شريكين في تمرير هذا القانون. أي ان تمرير القوانين بحق كل ما هو فلسطيني تشارك فيه المعارضة والائتلاف. وعليه كلاهما شريكان في تعزيز الفصل العنصري ضد كل ما هو فلسطيني.

وعلى صعيد القدس والمسجد الأقصى شكلت سياسات بن غفير وقرار العقاب الجماعي بحق اهل القدس، والتي شملت عمليات الهدم وأوامر الإخلاء بحجة “البناء غير المرخص”، وحملات المداهمات والاعتقالات الواسعة التي استهدفت منازل أسرى ومحررين، وصادرت أموال وممتلكات وحررت غرامات، أرضية خصبه لمقاومة العنجهية والصلف الإسرائيلي وإعلان شبه عصيان مدني في القدس وضواحيها في تحدي واضح لأي تصعيد إسرائيلي، ومن المرجح ان تزداد المواجهات خلال شهر رمضان الكريم بسبب التصعيد الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى المبارك.

وأخيرا تسعى المؤسسة الإسرائيلية من خلال تشريعاتها وسياساتها لخلق واقع تعود بالداخل الفلسطيني الى فترة حكم عسكري يشهد قمع أكثر لأدوات النضال الفلسطيني، في محاولة منها للضغط على الداخل وقياداته للتخلي عن هويتهم الوطنية وثوابتهم الفلسطينية وتقبل فكرة يهودية الدولة والولاء لها ولرموزها. ولكن تجارب الماضي تشهد ان الداخل الفلسطيني عصي على الكسر، ولا يمكن له ان يتخلى عن هويته وثوابته مهما اشتدت به المحن.