بقلم أ.يوسف كيال

 

لا سياسة بلا أخلاق

 

يعرّف ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين" السياسة بالتدابير التي يكون الناس معها أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد. وقد قدمت المراكز المتخصصة في السياسية وعلم العلاقات الدولية المختلفة تفاسير كثيرة لمفهوم السياسة وقد ظهر مصطلح الأخلاق السياسية من مجمل هذه التعاريف. وهذا علم بحد ذاته ومجال تخصص أكاديمي وله دوره في التعاطي مع السياسة من قبل المتعاطين بها، وأيًا كانت هذه التعريفات والمصطلحات في عالم السياسة، فلا يمكن قراءتها كمجردة او التعاطي مع مفاهيمها عمليًا دون الأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي يعيشه من يتداول بها من حركات شعبية أو أحزاب أو فعاليات وطنية أخرى على الساحة.

هناك من يعتقد أن ممارسة السياسة تهدف الى تحقيق المصالح، فهي تصبح فن إدارة علاقات لتحقيق المصلحة متجاهلين بذلك المنظومة الأخلاقية والحد الأدنى من القيم الإنسانية. وفي التاريخ لنا في ذلك أمثلة من ممارسة النازيين الى الصليبيين وغيرهم. وكأن "المصلحة" تبرر "الوسيلة" كما يحلو لبعض الحكومات والتنظيمات توصيفها عند تجاوز هذه القيم والأخلاق في ممارسة السياسة وإدارة العلاقات الحزبية.

 

ولكن، في واقعنا الاجتماعي والسياسي ووفق المعادلات التي فرضتها علينا المؤسسة الحاكمة بمعادلتها" ظالم ومظلوم" فإننا بأمس الحاجة أن ندقق جيدا ونحسبها بإتقان عند تعاطينا السياسة كأحزاب وحركات سياسية فاعلة بعيدا عن التوصيفات والنظريات المختلفة لتعريف السياسة. هذا التعاطي يستوجب الأخذ بعين الاعتبار أن المروءة الوطنية والدين والامتداد الحضاري تفرض أطارًا  أخلاقيًا واضحًا وأن عواقب تجاوز هذا الإطار من أي جسم سياسي فاعل كان، هو كارثي على أبناء مجتمعنا الفلسطيني.

 

 فمئة ألف شهيد وأكثر من مليون أسير على مدار أكثر من سبعين عامًا  ومئات القرى المهجرة وملايين اللاجئين وماكينة الظلم التي تصول وتجول على أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني، لهي مبررات كافية لكي تتجنب الأحزاب والاجسام السياسية ممارسة الكذب على أبناء شعبنا والتهديد والوعيد وغيرها...، وتجنب استعمال المال السياسي الفاسد، والتواصل مع اجسام محلية وإقليمية ودولية مشبوهة بالإضافة للتجني والمزايدة على الآخر والتخوين وازدراء فعاليات بعض الاجسام السياسية المحلية. وإن التواجد في الكنيست والدفاع عن حاجتها "كمشروع وطني" يبقى من الظلم وعدم الإنصاف تبريرها لتجاوز الأخلاق التي أقرها الدين وأقرتها المروءة الوطنية وحق الشهداء والجرحى والأسرى واللغة والمقدسات واللاجئين والمحرومين من مسكنهم وأرضهم من شمال الوطن إلى جنوبه، آخذين بعين الاعتبار كل هذا، عندها نبدأ نخوض غمار  السياسة....