بقلم أ. يوسف كيال

بـيـن نـكـبـتـيـن

يحيي شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده في الخامس عشر من أيار من كل عام الذكرى السنوية للنكبة التي تعرض لها في هذه الفترة سنة 1948 بارتكاب العصابات الصهيونية جرائم غير مسبوقة ضد شعب أعزل, فهدمت مئات البلدات العربية وهجّر ثلثا شعبنا من أرضه ليصبحوا لاجئين ونازحين وارتُكبت المجازر وقُلعت الأشجار، وباختصار مورست أبشع أنواع الاستقواء على شعب أعزل كان يعيش آمنا في وطنه. عرف أبناء شعبنا الفلسطيني ،وجيل ما بعد النكبة، عقلية هذا المحتل، آيديولوجيته ومخططاته ,فأتقن قراءة سياسة الحكومات المتعاقبة ذات اللون الواحد بأهدافها – اقتلاعنا من أرضنا وطمس هويتنا وتثبيت رواية كاذبة "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن"، في ظل غياب منظومة أخلاق وقيم إنسانية تستند عليها هذه المؤسسة الاحتلالية في تعاملها مع الإنسان والأرض والشجر والحجر الفلسطيني في هذه البلاد. ومن هنا أصبحت مسؤولية تاريخية وأمانة عَظُمَ شأنها ان يتعلم شعبنا الفلسطيني عامة وأهلنا في الداخل خاصة فنون النضال والتصدي لمخططات هذه المؤسسة التي بدأت منذ 74 عامًا ولا زالت تتمدد وتتعمق الى يومنا هذا. فتكونت الحركات والأحزاب الوطنية وتشكلت لجنة المتابعة، وقامت الفعاليات الشعبية والاجتماعية، وتشعب نضالها ما بين تثبيت الهوية والانتماء ونصرة ثوابتنا، وما بين تحصيل لقمة العيش والحفاظ على الأرض والمسكن، بل في نضاله في الدفاع عن فلسطينية الإنسان نفسه، استوجبت أمانة المحافظة على الهوية التداعي إلى التمسك بالثوابت الوطنية وتبني الخطاب الحر وتحصين الهامة الفلسطينية من كل محاولة أسرلة أو صهينة أو تدجين أو ترويض أو تهميش أو تشويه. في ظل الخلل بميزان القوى وتفرد ماكينة العربدة والاستقواء الصهيونية على شعبنا المتمسك بأرضه في الداخل، واستمرار محاولة اجتثاث الإنسان الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية, تحتم على أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل قدسية التمسك بالثوابت الوطنية، التي وجب أن تتعالى رغم قراءتها كأنها شاذة في هذه المرحلة التاريخية لشعبنا. وما يندى له الجبين ويقصم الظهر هنا, ليس فقط أنه يُراد للمتمسكين بالثوابت أن يبقوا على الهامش بفعل الحرب الإعلامية عليهم، وإنما اصبحنا نرى من أبناء جلدتنا ممن يرفعون راية الوطنية والنضال من يتشفى بصوتهم وقله عددهم، بل ومنهم من بسببهم تشكلت حكومة تتمتع بإصدار الأوامر لجنودها بالاعتداء على المصلين في باحات الأقصى, واذلال الشيوخ وإهانة النساء ومطاردة الشرفاء وزجهم في السجون وقتل الإنسان الفلسطيني بدم بارد. بل ووصل الأمر إلى إرسال صور مسلمة متدينة تصرخ من على منبر الكنيست إلى دول العالم اجمع لتكون خير دليل وشاهد على ادعاء المؤسسة الإسرائيلية انها قائمة على الديمقراطية واحترام الإنسان وتمرير هذه الكذبة بإتقان. لا يغيب عن بال هذا الإنسان الفلسطيني النظيف الذي يرى أبناء جلدته, ولو بشكل غير مباشر, يشاركون المؤسسة الظالمة الاستقواء عليه إلا أن يظل رافعًا شعار التمسك بالثوابت وهو أيضا يرى بأم عينيه هذا الانبطاح من بعض الانظمة العربية والتطبيع المجاني وانكى من ذلك,أن يشهد جيل النكبة  وأبناء الشهداء والأسرى والمنكوبين قيادة الشعب الفلسطيني تحتسي القهوة في بيوت المغتصبين الذين تسلموا راية الاحتلال واستمروا بها, ينسقون معها على إذلال أبناء جلدتهم ويبيعون بدراهم معدودة عز وشرف وكرامة ومواقف رجال كُثر من أبناء شعبنا استُشهدوا في سبيل الحفاظ عليها. إنّ هذه المواقف لنكبة حلت على الصامدين أصحاب الراية الوطنية النظيفة تضاف الى نكبتهم الأولى ليعيشهما الانسان الفلسطيني بألم وصمود ويستمر في طريقه دون استسلام .... وسينتصر.