بقلم البروفسور إبراهيم أبو جابر
نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح
مؤسّسة المنبر للخطاب اليهودي الإسلامي
"منظّمة صهيو – يهوديّة"
تَنشط في ربوع بلادنا، من جليلها الشامخ إلى نقبها الصّامد منذ عام 2019 منظّمة / أو مؤسّسة تسمّى بالمنبر(הבימה)، شعارها "الخطاب اليهوديّ الإسلاميّ". يقوم على هذه المؤسّسة مجموعةٌ من القيادات الدينيّة الإسلاميّة واليهوديّة، رجالاً ونساءً مع غلبةٍ للعنصر النّسائي فيها، من موظفي بلدياتٍ ومجالس محليّةٍ عربيّةٍ، وناشطين إجتماعيين وناشطاتٍ، وبعض مديري جمعيّات إسلاميّة في البلاد، وحاخاماتٍ يهودٍ من الجنسين (بعضهم من مستوطنات الضفّة الغربيّة وأعضاء في مجالسها المحليّة)، وبالتحديد من الصهيونيّة الدينيّة، إضافةً إلى ناشطين في مجال حوار الأديان، وناشطين إجتماعيين من الجنسين، ومحاضرين في كليّاتٍ ومؤسّساتٍ أكاديميّةٍ إسرائيليّةٍ.
إنّ الأمر جدُّ خطير،ٍ لأنّ من يقف خلف القائمين على هذه المؤسّسة المشبوهة والمغرضة هي الحكومة البريطانيّة وسفارتها في البلاد، فهي المموّل الرئيس لهذه المؤسّسة، إضافةً لصناديق أخرى داعمةً للحوار والتعايش بين الأديان أحدها أمريكيٌ وآخر يابانيٌ.
تتلخّص فعاليات هذه المنظّمة/أو المؤسّسة حتى الآن في عقد لقاءاتٍ حواريّةٍ ثنائيّةٍ في معظمها بين حاخامٍ (أو ربانيت) يهوديٍ، وسيّدةٍ مسلمةٍ محجّبةٍ، أو شخصيّةٍ قياديّةٍ إسلاميّةٍ، تحت عنوان "القيادة والقيَم من وجهة نظر نسائيّةٍ في اليهوديّة والإسلام" وبحضور الجمهور، إضافةً إلى لقاءاتٍ حواريّةٍ في مؤسّساتٍ دينيّةٍ إسلاميّةٍ ويهوديّةٍ، وورشات عمل وزياراتٍ بيتيّةٍ، هدفها وضع وإعداد برامج تربويّةٍ عن الدين والسلام، وتعزيز قيَم التسامح، والعمل على حلّ الصراع على أساس دولةٍ واحدةٍ ومشتركةٍ.
تتماهى مؤسّسة المنبر هذه أيضًا مع مشروع "إتفاقيّات أبراهام" المشؤومة، والرّامية إلى حمل الدول العربيّة على التطبيع مع المؤسّسة الإسرائيليّة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة، والدّليل على ذلك استضافة المؤسّسة لشخصيّاتٍ صهيو – يهوديّةٍ، لعبوا دورًا في وضع الخطوط العريضة لهذه الاتفاقيّات في لندن وأبو ظبي والسعوديّة والمغرب، ومشروعها المبني على الترويج للديانة الإبراهيميّة كقاسمٍ مشتركٍ بين الأديان.
يُستنتج من خلال متابعة ودراسة هذه المؤسّسة المشبوهة عدّة أموٍر لا تخفى على عاقلٍ ولا نبيهٍ، هي:
أولاً، التركيز على العنصر النسائي في الدرجة الأولى، لمعرفة القائمين على هذه المؤسّسة والمموّلين لها والمعنيين بنهجها، ما للمرأة من دورٍ مهمٍ ومركزيٍ في تربية الأجيال والناشئة، فهم يبنون على تنشئة هذه الأجيال على طريقتهم الخاصّة وما يخدم مصالحهم.
ثانيًا، العمل على القواسم المشتركة أو ما يُطلق عليه المشترك بين الأديان، وهذا في حدّ ذاته يصبّ في صالح الآخر اليهوديّ لأنّه عمليًا يدفع نحو التقارب والتفاهم ونسيان الماضي.
ثالثًا، نشر ثقافة الحوار والتسامح في صفوف الشريحة المتديّنة من مجتمعنا، بخاصّةً الإسلاميّين، للدفع نحو تبنّي خطابٍ إسلاميٍ جديدٍ يقبل بالآخر ويتعايش معه.
رابعًا، تغييب الرواية الفلسطينيّة لصالح الرواية الصهيونيّة على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
خامسًا، مواجهة التنظيمات والقوى الإسلاميّة والحدّ من نشاطاتها داخل المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني.
سادسًا، خلق جيلٍ/بل أجيالٍ متأسرلةٍ من الناشئة تتنكّر للماضي ولثوابتنا الدينيّة والوطنيّة.
غدا واضحًا إذن من خلال السياق، خدمة هذه المؤسّسة لأجندةٍ صهيو- يهوديّةٍ بل وغربيّةٍ، لتحقيق ما سلف من نقاطٍ، موظّفةً لذلك مجموعةً من الإغراءات أهمّها المال، للآخر المسلم، من نساءٍ ورجالٍ، إضافةً إلى توفير منصّات حواٍر وظهورٍ إعلاميٍ للمشاركين في نشاطاتها، وإعداد فعاليّاتٍ اجتماعيةٍ وثقافيّةٍ، وجولاتٍ ميدانيّةٍ في مختلف مناطق بلادنا، بهدف كسر الحواجز النفسيّة بين الطرفين، وتلاقح الأفكار أي التطبيع الفكريّ والثقافيّ بين الفريقين.
إنّ التنبيه واجبٌ من مخاطر مثل هذه المؤسّسات المشبوهة على نسائنا وشبابنا ومجتمعنا ككل، لأنّها تسعى لنشر فكر الأسرلة و"التعايش"، والتنازل عن ثوابتنا، والمساواة بين الضحيّة والجلّاد، خاصّةً وأنّ هناك من يتساوق مع مشروع مؤسّسة المنبر هذه من بني جلدتنا، نهجًا وممارسةً، إلّا أنّ مجتمعنا يملك من الأدوات الكافية لإفشال كلّ مخطّطٍ مشبوهٍ ومشروعٍ هجينٍ عليه، تحت أي مسمى كان، يحمل ذات الأجندة أو ما شابهها.