بقلم البروفسور إبراهيم أبو جابر
نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح
المؤسّسة الإسرائيليّة "دولة بوليسيّة"
وُسِمت المؤسّسة الإسرائيليّة منذ إعلانها عام 48 -على الأرض الفلسطينيّة – دولةً عسكريةً وأمنيّةً، إذ ما كانت لتقوم لولا اتّباعها نظريّة القوّة، وسياسة الحديد والنّار، والتطهير العرقيّ.
واليوم، بعد أكثر من سبعة عقودٍ خلَت على إعلانها، لا تزال حكومات المؤسّسة الإسرائيليّة تتعامل مع شعبنا بنفس العقليّة الاستعلائيّة الأولى، لا بل طوّرت وسائل قمعها لشعبنا الفلسطيني ككُل ولداخلنا الفلسطيني خاصّة.
إنّ المؤسّسة الإسرائيليّة هي "دولة بوليسيّة" بامتياز، والدولة البوليسيّة كما عُرّفت علميًا، هي الدولة التي تُمارس فيها الحكومة –من خلال الأجهزة الأمنية وجهاز الشرطة خاصّة-إجراءاتٍ قمعيّةٍ صارمةٍ ضد المجتمع، تتحكّم من خلالها بالنّواحي الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، أي ممارسة الشموليّة والسيطرة الاجتماعيّة على الشعب.
أكّد تعامل السلطات الإسرائيليّة منذ أواخر القرن العشرين (القرن الماضي) مع الداخل الفلسطيني وجه هذه المؤسّسة الحقيقي، باستخدامها العنف الذي وصل أحيانًا الى القتل بدمٍ باردٍ، وانتهاك حقوق الإنسان الطبيعيّة، والملاحقات السياسيّة، والتعدّي على خصوصيّات الفرد وغير ذلك، ممّا يدلّ بوضوحٍ على بوليسيّة هذه المؤسّسة.
وللعلم، فقد استحدثت المؤسّسة الإسرائيليّة العديد من الأجهزة الأمنيّة والشرطيّة لمواجهة المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني منذ نهاية القرن الماضي، ممّا لا يدع مكانًا للشكّ في أنّها مؤسّسة بوليسيّةٌ، ومن هذه الأجهزة، تلك التي تقمع الجماهير العربيّة بالضرب والاعتقال والسحل الذي لم تسلم منه النساء أيضاً، وما عنّا مظاهرة سَعوة/الأطرش في النّقب ببعيد، والوحدات هي: "اليسّام" ، و"اليمّار"، و"اليمّام"، ووحدة المستعربين التابعة للشرطة أيضا، إضافة الى وحدة حرس الحدود التي هي أصلاً جزءٌ من جهاز الشرطة الإسرائيلي، يضاف إليها جهاز الشاباك ووحدة السايبر(الرّصد والتجسّس الإلكتروني).
عانى ولا يزال مجتمعنا الكثير من السياسات القمعيّة للشرطة الإسرائيليّة، خلال مسيرته في الدفاع عن ثوابته وعوامل وجوده في وطنه وأولها المسجد الأقصى المبارك، والقدس والمقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة، والأرض والمسكن، إلاّ أنّ المؤسّسة الإسرائيليّة الرسميّة ممثّلةً في وزارتي الداخليّة والأمن الداخلي، تقف قلبًا وقالبًا خلف الأجهزة الشرطيّة المذكورة، على المستوى الإعلامي والتعبوي والمالي والقانوني، والدليل موقف السلطات الإسرائيلية المختصّة الداعم لهذه الأجهزة ضد أي شكوى من الجمهور العربي.
حصّنت الشرطة نفسها ،عوضًا عن الدعم الحكومي لها، بلجنةٍ ظالمةٍ، هي "قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة" المسمّاة بالعبريّة "ماحش" ، والموكلة إليها مهمّة التحقيق في تجاوزات رجال الشرطة والشكاوى المقدّمة لها من الجمهور، تمهيدًا لفتح ملفات قانونية ضدّهم أمام القضاء، إلاّ أنّه ثبت انحصار دور هذه الّلجنة عمليًا في الدّفاع عن رجال الشرطة من الملاحقات القضائيّة، فكم من قضيّة قتلٍ واعتداءٍ على الأرواح والممتلكات وانتهاكٍ لحقوق الإنسان قُدّمت لها ضد عناصر شرطيّة فبرّأت ساحتهم ،وأعادتهم الى ممارسة عملهم، وما عنّا مقتل المربي يعقوب أبو القيعان ، ولا محمد طه وخير الدين حمدان(رحمهم الله) ببعيد.
إذن نحن نواجه بصدورٍ عاريةٍ، دفاعًا عن ثوابتنا ووجودنا في وطننا، مؤسّسة بوليسيّة بكل معنى الكلمة، تمارس ضدّ مجتمعنا وشعبنا سياساتِ فصلٍ عنصريٍ واضحٍ أي "دولة أبرتهايد"، غدَت فيها الشرطة ليست في خدمة الشّعب كما يقال، وإنّما ينطبق عليها القول "حاميها حراميها"، مؤسّسةٌ قمعيّةٌ منحازةٌ تمامًا للآخر اليهودي، تسنّ القوانين العنصريّة، وتحارب الوجود العربي، وتهّمشه ،وتلاحق الشرفاء من قادة مجتمعنا، وتنشر الرعب والإرهاب في صفوف المواطنين الآمنين ،وتهدم البيوت العربيّة، وتهجّر من تشاء ،وتصادر الأراضي، وتحرّم أماكن الرّعي لمواشي الفلسطينيين في النقب.
إنّ ما ذُكر غيضٌ من فيضٍ، فكيف بالمستميتين من القائمة الموحّدة دفاعًا عن بقاء واستمراريّة هذه الحكومة العنصريّة، التي تبطش بشعبهم ومجتمعهم في الداخل ليل نهار، وكيف لهم دعم وتأييد سنّ قوانين عنصريّةٍ فاشيةٍ ضدّ قومهم، لا بل ويدافعون عن هذه المؤسّسة بالباع والذراع، ويسوقون مبرّراتٍ لهم بائسةً لا قيمة لها في أجندة شعبنا، فهؤلاء أخال التاريخ سيخلّد ذكرهم، ولكن في صفحات من حملوا نهجًا كنهجهم المسمّى "النّهج الجديد الفاشل" ، ممّن لا يزالون تلوكهم الألسن في المحافل والمؤتمرات وعبر وسائل الإعلام.