بقلم البروفيسور إبراهيم أبو جابر

محاضر وباحث

 

إعلان منصور عباس

Mansour Abbas Declaration

"إسرائيل ولدت دولة يهودية، الشعب اليهودي قرّر أن يقيم دولةً يهوديةً، هكذا ولدت وهكذا ستبقى"(اندبندنت عربية،22 ديسمبر 2021)

"מדינת ישראל נולדה כמדינה יהודית،...،זאת החלטתו של העם היהודי،שהוא מקים מדינה יהודית(נקודה)...היא ככה נולדה וככה תישאר"(גלובס(סרטון) 21/12/2021)

 “The State of Israel was born as a Jewish state, and it will remain one.” (Jerusalem post:

DECEMBER 21, 2021)

 

قراءةٌ في نصّ إعلان منصور عباس

 

ديباجة:

يُعد إعلان عضو الكنيست الاسرائيلي الدكتور منصور عباس، رئيس القائمة العربية الموّحدة، الذراع السياسي في الحركة الإسلامية الجنوبية بتاريخ 21 ديسمبر 2021 الخاص ب "يهودية الدولة"، إعلانًا تاريخيًا، والأول من نوعه تقريباً منذ نكبة الشعب الفلسطيني عام1948.

هذا الإعلان المشؤوم أشبه بإعلان بلفور، بل أخطر منه كثيرًا نصًّا وروحًا ومضمونًا، وبيان ما سلف يمكن فهمه من خلال الآتي:

 (Jewish national Homeland)1. نصّ إعلان آرثر بلفور المشؤوم على إقامة وطنٍ قومي لليهود

(Jewish state)2. نصّ إعلان منصور عباس المشؤوم على "دولةٍ يهودية"

3. إعلان آرثر بلفور " إعلان من لا يملك لمن لا يستحق"

4. إعلان منصور عباس "إعلان من يملك لمن لا يستحق"

صدر هذا الإعلان المشؤوم في وقت فيه القائمة العربية الموّحدة التي يرأسها الدكتور منصور عباس جزءٌ من الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، لا بل لولا انضمام القائمة الموّحدة للائتلاف لما شُكّلت حكومة إسرائيلية.

 لقد سجّلت القائمة الموّحدة رقمًا قياسيًا في تصويتها ودعمها داخل الكنيست لمشاريع قوانين عنصريّة خلال الأشهر الستة من عمر حكومة بينيت-لبيد-منصور ضد قضايا مجتمعنا وشعبنا الفلسطيني، لا بل التنكّر لمفاهيم ومسمّيات هي جزءٌ من عقيدتنا وثوابتنا، وتجاهُل قضايا شعبنا الوطنيّة.

إنّ الغريب في الموضوع هو جرأة الدكتور عباس وبطانة قائمته بالتفنّن في عرض المبرّرات تلو المبرّرات لما تمّ التصريح به من قبل رئيس القائمة الموّحدة، وأحيانا نادرة أخرى الاعتذار عمّا يصدر عنه والدفع نحو الاستمرار فيما أطلق عليه "النهج الجديد"، مهما كان الثمن.

تأتي تصريحات ودعم القائمة الموّحدة لحكومة نفتالي بينيت المتطرّفة في سياق استرضاء المجتمع الإسرائيلي، وإقناعه برؤية الموّحدة ونهجها الجديد المبني على الشراكة والتعايش ونسيان الماضي، ولن تحصل القائمة الموّحدة مقابل ذلك إلّا على فتاتٍ من ميزانيات ووعودٍ عرقوبيةٍ غير واقعية.

إنّ الإعلان المشؤوم هذا للدكتور منصور عباس أخطر بكثير مما عُرف بوعد بلفور الذي صدر عن الحكومة البريطانية عام 1917، فمستقبل الفلسطينيين في وطنهم أصبح رهينةً عند السلطات الإسرائيلية.

أولاً: فحوى ودلالات الإعلان

صدر هذا الإعلان عن رئيس القائمة العربية الموّحدة، عضو الكنيست الإسرائيلي، د.منصور عباس في خضم سلسلة من التصريحات الإعلامية في مختلف وسائل الاعلام، العربية والعبرية، الأمر الدالّ على أنّها ليست هفواتٍ ولا سقطاتٍ ولا زلاّت لسانٍ تكراره لها. إذن واضح جدًا أنّه يتبنّى نهجًا جديدًا كما أطلق عليه عباس نفسه وجماعته، أقرب إلى نهج المقايضة بين المؤسّسة الإسرائيلية والقائمة الموّحدة على كل شيء، ما دام قد وصل الأمر به إلى الاعتراف جهارًا نهارًا وأمام ألفٍ من الحضور جلّهم من اليهود ب "يهوديّة الدولة" وبقائها هكذا.

هذا الإعلان، يقينًا، له دلائلٌ وانعكاساتٌ يمكن تلخيصها من خلال قراءة متأنيّة في الآتي:

1.اعترافٌ بقانون القومية العنصري أو "قانون يهودية الدولة"

2.الإعتراف بشرعيّة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية

3.تبنّي الرواية الصهيونية والتنكّر للرواية الفلسطينية

4.مخالفة الإجماع الوطني الفلسطيني الرافض لمبدأ "يهوديّة الدولة"

5.اختزال الحقوق الفلسطينية الوطنية بالحقوق المدنية

ثانيًا: مردودات إعلان وتصريحات الدكتور منصور عباس على القضية الفلسطينية

إنّ إعلان "يهودية الدولة" المشؤوم، لمنصور عباس، له مردوداته السلبية أيضا على القضية الفلسطينية، وسيضرّ بها بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ عاجلاً أو آجلاً، وستبنى عليه أمورٌ لا يعلمها إلاّ الله من خلال توظيف هذا الإعلان، والاستدلال به ضد حقوق شعبنا الفلسطيني الشرعية وأهمها حقّ تقرير المصير.

والمردودات السلبية للإعلان يمكن تلخيصها في التالي:

1.التنكّر لمبدأ ومشروع إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلة

2.وسيلة ضغط على القيادة الفلسطينية بقبول قانون "يهوديّة الدولة" المرفوض أصلا

3.التنكّر للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ومنها حق العودة للاجئين والتعويض

4.التنصّل من نضال الشعب الفلسطيني ومسيرته التاريخية منذ النكبة

5.منح الشرعية للدول العربية الداعمة للقضية الفلسطينية من غير المطبّعة مع المؤسسة الإسرائيلية  بالتطبيع معها انطلاقًا من مبدأ الاعتراف ب "يهودية الدولة"

ثالثًا: مردودات الإعلان على فلسطينيي الداخل / أو 48

إنّ حصّة فلسطينيي الداخل من ضرر ومردودات هذا الإعلان السلبية كثيرة، إن فُسّر الإعلان أنه يعني الداخل الفلسطيني فقط، أي الأرض الواقعة تحت سلطة المؤسسة الإسرائيلية، فذلك يعني نكبةً جديدةً للفلسطينيين في الداخل، حيث سيتم دمجهم في المجتمع الإسرائيلي تمامًا، وهذا ما يصبو إليه عباس وقائمته عبر ما يُطلق عليه مبدأ المواطنة. إنّ هذا النهج الأعوج والنشاز إنْ استمر بهذه الوتيرة، فسيكون له ما بعده في الداخل الفلسطيني تحديدًا، ومن جملة ذلك ما يلي:

1.تشجيع دعاة تهجير(الترانسفير) فلسطينيي 48

2.فرض الخدمة العسكرية على فلسطينيي الداخل

3.تسهيل سحب الجنسية أكثر مما سبق من الفلسطينيين في الداخل

4.اشتراط الحصول على الوثائق الرسمية أو وظائف معينة بالاعتراف بيهودية الدولة

5.فرض التعاطي مع الرموز اليهودية والإسرائيلية على المواطنين العرب

6.ازدياد ظاهرة الملاحقة السياسية للرموز الوطنية والنشطاء السياسيين من الداخل الفلسطيني

7.التمادي في عمليات حظر حركاتٍ وأحزابٍ وفعالياتٍ عربيةٍ في الداخل

8.التغوّل في قمع المواطنين العرب ورفع مستوى التطرّف والعنصرية

9.فرصة لسن قوانين عنصريةٍ جديدةٍ تمس مقدساتنا وثوابتنا الدينية والوطنية

10.العمل بقوّة على أسرلة المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني

 

الخاتمة

يحاول الدكتور منصور عباس تسويق نهجه الجديد أو "النهج النشاز" هذا من خلال توظيفه للنظرية الواقعية المعروفة، لكنّه أخطا كما يبدو في فهم المقروء، لأنّ النظرية الواقعية ليس من تفسيراتها السياسية التنازل أو الاعتراف للآخر المحتل بحقه في أرض ليست ملكه أصلا.

إنّ ما أقدم عليه عباس، ينطبق عليه القول "اعتراف من يملك لمن لا يستحق" وهو في الواقع أسوأ من وعد بلفور المشؤوم، الذي يُعرَّف عادةً بأنه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق". إذن هذه ليست واقعية إنما هي أشبه بتصرف العالم الإيطالي ميكافيللي، الذي حاول توظيف النظرية الواقعية (غير الواقعية أصلا) عند احتلال فرنسا لأراضي دولته أو مقاطعته الإيطالية، فعمل موظفًا لدى الاحتلال الفرنسي، لكنه لم يلبث أن غدا متسوّلاً على أبواب قادته الايطاليين بعدما استعادت إيطاليا أراضيها من الاحتلال الفرنسي.

إنّ إعلان "يهودية الدولة" المذكور، هو نتاج مشروعٍ كبيرٍ للقائمة الموّحدة، فأسماه البعض السلام الديني في الإقليم، أو السلام الإقليمي والذي من مفرداته فتح صفحةٍ جديدةٍ، ونسيان الماضي التاريخي، وأقرب ما يكون لمبدأ العمل على ما يجمّع ولا يفرّق أو القواسم المشتركة بين الإسرائيلي المحتل والفلسطيني المحتلة أرضه، على قاعدة الحقوق المدنية أو المواطنة.

هذه النظرية العقيمة مرفوضةٌ، كونها تجاهلت الحقوق الوطنية أو اشتملت على تنازلات عن ثوابت شعبنا الدينية والوطنية، وساومت عليها بقضايا مطلبية أو من نوال القوم وفتات أموالهم، لان القوم لن يرضيهم شيء أبدًا مهما حاول البعض استرضاءهم وسيبقى العربي عربيًا في أعينهم، بل خطرًا عليهم وإنّ ما يقومون به هو إيجاد بطانةٍ لهم، أو ما يمكن القول "عربٌ جيدون" يمكن ارضاؤهم بالمال لإسكات صوتهم وسلخهم عن شعبهم وحملهم على تقديم المزيد من التنازلات.

إنّ للناس لعبرة فيما عجّت به كتب التاريخ البشري من أمثلة لأناس وأقوام لم يجنوا من انحيازهم للمحتل إلا المهانة من المحتل نفسه أولا ثم من شعوبهم، مثلما حصل مع نابليون في النمسا ومصر، ولهذا فإنّ القائمة الموّحدة مدعوّة للتعقّل والعزوف عن هذا المشروع النشاز، وترك الارتماء في أحضان أقطاب هذه الحكومة المتطرفة، والعودة إلى قواعدها ومجتمعها العربي الفلسطيني، وإلاّ فإنها ستدفع أثمانًا غاليةً وطنيةً واخلاقيةً وسياسية.

 

ere