بقلم د. حسن صنع الله

قراءة في الأزمة الجزائرية الفرنسية

 

تخطت الأزمة بين الجزائر وفرنسا في الآونة الأخيرة الساحة الدبلوماسية إلى مجالات اقتصادية وعسكرية، وقد افتعل هذه الازمة الأخيرة كالعادة الجانب الفرنسي، بتصريحات رئيسه ماكرون، حيث أساء لتاريخ الجزائر والشعب الجزائري الذي سطّر أروع البطولات في نضاله ضد المستعمر الفرنسي. التصعيد الجزائري تمثل في مطالبة الجانب الفرنسي بالاعتذار عن الماضي الاستعماري وعن تصريحات رئيسه المسيئة للجزائر، إلا أن الرئيس الفرنسي رفض أن يقدم مثل هذا الاعتذار.

الجزائر بدأت تعيد ترتيب أوراقها فيما يتعلق بتصنيف وترتيب الشركاء والحلفاء، لذلك قامت بتعزيز علاقاتها وشراكتها مع روسيا والصين وتركيا ودول أوروبية مثل إيطاليا، أسبانيا وألمانيا، في المجال العسكري والاقتصادي، وعليه فهي غير مستعدة اليوم أن تقدم أي تنازلات لفرنسا التي تمر بأزمات سياسية واقتصادية.

الرد الجزائري على العجرفة والغطرسة والاستعلاء الفرنسي جاء من خلال الدبلوماسية العملية التي تمثلت في إغلاق المجال الجوي الجزائري في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية ومنع تزودها بالوقود في جنوبي الجزائر، ومنع سفن الأسطول الفرنسي من الرسو في الموانئ الجزائرية، وإلغاء زيارات وفود عسكرية، والاستدعاء العاجل للسفير الجزائري من باريس، ومما لا شك فيه أن التصعيد الجزائري سيطال المجال الاقتصادي الذي يعد المكون الأساس للامتيازات التي كانت تتمتع بها فرنسا في الساحة الجزائرية.

التحلل الجزائري من الامتيازات الفرنسية خصوصًا في الجانب الاقتصادي بدأ سابقا في منع شركة "توتال" الفرنسية من شراء أسهم في شركة "أنادراكو" النفطية الأميركية التي لها أصول في الجزائر، حيث سيطرت شركة "سوناطراك" الجزائرية على الأسهم. أضف إلى ذلك إنهاء الجزائر عقود عدد من الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر، كشركة إدارة مترو الأنفاق في العاصمة، وشركة فرنسية كانت تدير مطار الجزائر الدولي، وأخرى تعمل في قطاع المياه. كما ألغت الجزائر عقود مكاتب دراسات، وقرّرت التحول نحو دول أخرى كروسيا لتوريد القمح بدلاً من فرنسا.

الغضب الجزائري من فرنسا المتغطرسة ترجمته هذه المرة دبلوماسية جزائرية واضحة، فالواقع السياسي والإقليمي للجزائر بات يختلف بسبب تحالفاتها الجديدة، وأصبح بمقدور الجزائر معاقبة فرنسا على تراكماتها السلبية اتجاه الجزائر وشعبها.

الجزائر ماضية في عقابها للاستعمار الفرنسي، وهذه المرة إذا ما تحصّل الاجماع السياسي فلن تتردد الجزائر في استصدار قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي، مقابل القانون الذي أقرّه البرلمان الفرنسي عام 2005 والذي يعترف بالدور الإيجابي للاستعمار.

فرنسا من جانبها ستحاول الضغط على الجزائر من خلال بعض الجماعات الانفصالية التي يتحصن قادتها في فرنسا ويحظون بحماية فرنسية. الجزائر من ناحيتها ستعمل على إنهاء الوجود الفرنسي، في بلاد تعتبرها فرنسا ساحتها الخلفية كمالي والنيجر ومنطقة الساحل، في ظل التعاون الجزائري مع حلفائها في تركيا وروسيا.