بقلم د. حسن صنع الله
الذكرى ال 21
قراءة في هبة القدس والاقصى
مرّ أكثر من عقدين من الزمان على أحداث هبة القدس والأقصى التي استُشهد خلال احداثها 13 شابًا من فلسطينيي الداخل برصاص قوات الأمن الإسرائيلي، ولم تغيّر المؤسسة الإسرائيلية من نظرتها العدائية تجاه أهلنا في الداخل، فقد بقيت السياسات العدائية والتمييز على أساس قومي هو الطابع الغالب على جميع ممارساتها وتعاملاتها مع الداخل.
تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع الداخل الفلسطيني كان ولا زال قائمًا على أساس أن هذه فلسطينيي الداخل يشكلون عبئًا وخطأً تاريخيًا يجب التخلص منه، وهذا لا يتم إلا بالتهجير الكامل في نهاية المطاف. كان خيار الترانسفير ولا يزال قائمًا في حسابات المؤسسة الإسرائيلية التي سنت قانون القومية لتؤكد مرة أخرى بما لا يدع مجالًا للشك أن فلسطينيي الداخل ، من وجه نظر الرواية الصهيونية، لا يحق لهم العيش على ما يُسمى بأرض الميعاد وأن هذه الأرض حق خالص لليهود دون غيرهم.
ومن هنا، ما يجب علينا أن ندركه أن التعامل مع الداخل الفلسطيني يقوم على مبدأ ترويض وتدجين لا يمكن أن يصل إلى استيعاب وتذويب كامل، فلا مواطنة كاملة ولا شراكة كاملة مع من تراه يهدد وجودها. بمعنى أن هناك حاجة مرحلية لدى هذه المؤسسة بوضع مخططات ومشاريع تدجين للداخل الفلسطيني تعمل على خلق قيادات وشخصيات مشوهه وطنيًا تساعد المؤسسة في سلخ الفلسطيني في الداخل عن قضيته وعن ثوابته الوطنية والقِيَمِيّة، وفي نفس الوقت تحرص هذه المؤسسة كل الحرص على عدم وصول هذا الداخل إلى شراكة تامة يحصل خلالها على كامل حقوقه.
نجح الداخل الفلسطيني،رغم الفراغ القيادي الذي خلفته آلة القتل والتهجير الإسرائيلية إبّان النكبة، بعد فترة من الزمن من التعرف على ذاته فخرّج قيادات رفعت من مستوى العمل الوطني والنضالي على خلاف الرغبة الاسرائيلية. بعد هبة القدس والاقصى عام 2000 رأت المؤسسة الإسرائيلية أن هناك ضرورة قصوى لملاحقة وضرب هذه القيادات، فكان هناك مسلسل من هذه الملاحقات، طالت قيادات وطنية وإسلامية ووصلت هذه الملاحقات ذروتها بحظر الحركة الإسلامية عام 2015 واعتقال قيادتها واستنزافهم بسلسلة محاكم وهمية، وقد أدت هذه الملاحقات في بداية الأمر إلى زرع حاجز خوف في نفوس أبناء الداخل الفلسطيني من العمل الوطني وما يترتب عليه من ملاحقات، وظنت المؤسسة الإسرائيلية أنها نجحت في كسر إرادة الداخل وأنها أسرلت الخطاب السياسي لفلسطينيي،إلا أن هذا الشعور بالنشوة والنجاح تكسّر بعد عقدين من الزمان على أعتاب هبة الكرامة التي أثبتت للمؤسسة الإسرائيلية - ولبعض قيادات الداخل الفلسطيني، التي قبلت باللعبة الإسرائيلية وسعت إلى خفض سقف العمل الوطني ظنًا منها أن اللعبة الصهيونية هي الملاذ الأخير- أن الداخل الفلسطيني يملك مشروعًا وطنيًا واضح المعالم، وأن حالة التشرذم والتجزؤ الفئوي وتجاهل موضوع الثوابت حالة عابرة في تاريخ هذا الشعب، وأنه أبدًا لا يمكن أن يقبل بخطاب النكوص، وأن الخلل في بناء الداخل وبناء المؤسسات الوطنية ومكافحة الآفات الاجتماعية، رغم فداحتها، لا يمكن أن تستمر الى ما لا نهاية وفق المخطط الصهيوني.
الداخل الفلسطيني مُدرك تمامًا أن موضوع الشراكة هو مشروع وهمي، وعليه لن يكون بمقدور أصحاب مشروع الشراكة تغييب المشروع الوطني. هبة القدس والأقصى عام 2000 وهبة الكرامة عام 2021 أثبتتا أن الداخل الفلسطيني متمسك بثوابته، وأن هذا الداخل لا يملك خصوصية عندما يتعلق الأمر بالصف الوطني والثوابت، وأن خصوصيته تتعلق فقط باختيار أدوات النضال الشعبي من حيث القدرة والاستيعاب والصمود.