بقلم البروفسور إبراهيم أبو جابر

نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح

 

قراءة متأنية في الانتخابات المغربية

ألقت الانتخابات المغربية الأخيرة الضوء على واقع المشهد السياسي في المغرب ومآلاته، إضافة إلى القوى الفاعلة والمؤثرة في الدولة، فكشفت حقيقة القوى المقرّرة والمؤثرة في هذا القُطر وأهمها الملك، وإن بانَ للجميع ديمقراطية العملية السياسية.

لقد أفرزت الانتخابات المغربية الأخيرة توليفة سياسية جديدة، تمثّلت في تراجع قوة حزب العدالة والتنمية بحصوله على 13 مقعدًا فقط، مقابل 125 مقعدًا برلمانيًا في الدورة السابقة، وصعود الأحزاب الأخرى المقرّبة من التاج بصورة ملحوظة.

هذه النتائج لها دلالات وأسباب موضوعية، منها ما هو خاص بسلوك حزب العدالة والتنمية الإسلامي نفسه، وأخرى ذات علاقة بالنظام الحاكم والبيئة الدولية المعادية والرافضة للقوى والحركات والتيارات الإسلامية عامة، أهمها:

أولاً، معاقبة أعضاء وأنصار حزب العدالة والتنمية والجماهير المغربية الأخرى التي تعاطفت مع الحزب أو اقتنعت ببرنامجه السياسي والإصلاحي، للحزب في الصندوق، وذلك لفشله في تحقيق وعوده الانتخابية التي قطعها قادته على أنفسهم، وبانشغاله كثيرًا في قضايا جانبية وسياسية، مهمّشًا وعوده لناخبيه الخاصة بقضاياهم المطلبية والمعيشية، مع الإشارة إلى دور المؤسسة الملكية التي لم تمكّن حكومة العثماني من القيام بدورها المطلوب في خدمة الشعب.

ثانياً، مباركة سعد الدين العثماني رئيس الحكومة والقيادي في حزب العدالة والتنمية، مشروع التطبيع مع المؤسسة الإسرائيلية، الأمر الذي استهجنه الكثيرون سواء من المغاربة أنفسهم أو آخرين، فكيف لحزب إسلامي معروف يقبل التطبيع؟ حيث توقّع المراقبون حلّه للحكومة أو استقالة الوزراء من أعضاء الحزب- البالغ عددهم ثمانية مع رئيس الحكومة العثماني- من مناصبهم، إلا أن ذلك لم يحصل. 

 

هذا الموقف الغريب، جعل الناخبين المغاربة بخاصة أعضاء وأنصار الحزب يعاقبونه أيضاً في الصناديق، بل وتصويت البعض منهم لأحزاب أخرى، وإن كانت قريبة من التاج أو الملك.

ثالثاً، تمرير حكومة حزب العدالة والتنمية لقوانين غير وطنية، وأخرى جدليّة، مثل: قرار "فرنسة التعليم"، وهو القانون الذي يسمح بتعليم المواد العلمية باللغة الفرنسية، مما اعتُبر ضربةً قويةً للغة العربية في وقت تتراجع فيه اللغة الفرنسية عالمياً. 

وقد وقعت حكومة العدالة والتنمية أيضاً في مطب آخر وهو تقنين زراعة واستعمال القنّب الهندي، المعروف عند المغاربة ب “الكيف"، والذي صُنّف لعشرات السنين كنوع من أنواع المخدرات. 

رابعاً، دور ما عُرف بالخزنة في المغرب في تخطيط وهندسة الانتخابات، والمقصود الملك وبطانته وبعض القوى المقرّبة منه، ورجال أعمال وغيرهم ممن يتحكّمون بقواعد اللعبة السياسية، ويرسمون السياسات العليا للبلاد. فهناك من يرى بأن نتائج الانتخابات حُسمت بين هذه الفئة وبإيعاز من الخارج، كالدول الغربية وعلى رأسها أمريكا و المؤسسة الإسرائيلية ، وبعض الدول العربية الرجعية، لإقصاء التيار الإسلامي عن المشهد السياسي في المغرب كباقي الأقطار، والتمكين للقوى والأحزاب المسمّاة بالوطنية من علمانية وشعبية.

 

إذن، يشهد المغرب حالياً مرحلة جديدة على المستوى السياسي غدا فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم سابقاً خارج اللعبة السياسية تماما وفاقدا للمصداقية أمام الجماهير لما قدّم من تنازلات عن ثوابت وطنية وقومية ودينية، في حين أصبحت فيه الأحزاب المقرّبة من التاج أو الملك في موقع صنع القرار، مما يتطلب من قيادات الحزب استخلاص العبر من مداهنتهم للملك والعمل على إعادة بناء الحزب من جديد بعيدا عن المؤسسة الملكية.