بقلم أ. يوسف كيال

 

العنف والجريمة أسباب وحلول(1-2)

 

تجاوزت حالة العنف بأشكالها المنتشرة في الداخل الفلسطيني أن تكون مجرد حالة او بلاء بل أصبحت كارثة اجتماعية بكافة المقاييس، ولها تداعيات خطيرة على كافة المستويات، قتصاديًا، اجتماعيًا وسياسيًا. ورغم الحقيقة التاريخية أن قطاع الطرق قد ظهروا في نهاية القرن الهجري الثاني في المجتمع العربي والإسلامي، إلا أن وجود هذه الظواهر في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل تتسم بخصوصيات ليس لها سابقة من حيث أسبابها وتداعياتها وتفاعل مجتمعنا   على مستوى العموم  الذي يُوصف بأقل تقدير بالتعامل غير المجدي. لعل أكثر ما يقلق في هذه الحالة الدخيلة على مجتمعنا هو عدم قدرة مجتمعنا على مستوى العامة والقياده  على معالجة هذه الظواهر. ومن ناحية أخرى، ما يزيد الأمر كارثيةً هو انعدام الأخلاقيات والخطوط الحمراء والقيم عند قيادة وزعامات الجريمة المنظمة. فقد ذكر عبد الله الطحاوي هذه الظاهرة في الدولة الاسلامية في دراسته "أخلاق اللصوص في الحضارة الاسلامية" أن هذه الفئة من المجتمع رغم ما يقومون به من جرائم ، قد اتخذوا حدودًا وخطوطًا حمراء لسلوكياتهم والتزموا بها، ومن المدهش أن نعلم أنهم قد اتخذوا مراجع شرعية وتجنبوا فئات من الناس، بل وأشكالًا من العنف التي رأوها لا تليق بإنسانيتهم، فعلى سبيل المثال حَرَّموا سرقة ممتلكات الأسخياء والمتصدقين والفقراء والنساء والجيران، واستحلّوا أموال مانعي الزكاة. "وإن كنت شخصيًا أرى أن هذه الظاهرة في مجتمعنا إلى زوال ولن تطول أيام الزعران لما فيها من تداعيات كارثية عليهم وعلى عوائلهم وكما قيل المال الحرام لا يدوم بأهله، و في نهاية المطاف مجتمعنا الذي يستمد دعمه من قيمنا الدينية والحضارية والاجتماعية الراقية وعلو شأن الخيرين وترجيح كفتهم في الميزان هذا كله كفيل وضامن أن يُسَلِّم في النهاية مجتمعنا من هذه الظواهر المعيبة. إلا أن ذلك لا يعفينا عن التوقف عند هذه الظروف والتعاطي معها بمسؤولية كاملة من حيث دراسة أسبابها والاجتهاد في معالجتها وهي أمانة سنُسأل عنها فردًا فردًا ولن يسامحنا التاريخ والأجيال القادمة عن التواني في ذلك

 

أسباب هذه الظاهرة كثيرة نركزها في خمسة اعتبارات قد تصيب كلها أو جزء منها أولئك الذين يمارسون العنف بأشكاله في مجتمعنا، وإدراكنا لهذه الاسباب هو بوصلة لاستجلاب الحلول لهذه المشكلة. وتتلخص هذه الاعتبارات بغياب الوعي الوطني ، غياب إطار أخلاقي قِيَمي مُستمَد من الدين والعُرف الاجتماعي، عدم توفر كفاءة أكاديمية وخلل في الانتماء الاجتماعي. ويلعب غياب الجهة المراقِبة والرادِعة لهذه الأعمال دورًا كبيرًا والذي يتجلى في تقاعس الشرطة والجهات المعنية على المستوى الرسمي والتي أجزم أنها تلعب دورًا سلبيًا في حل المشكلة بل تساهم بصورة مباشرة او غير مباشرة بانتشارها، مما يُضعف دورنا في مواجهة هذه الظاهرة.