بقلم البروفيسور إبراهيم أبو جابر نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح
قراءة في الحالة السياسية في تونس
أدار الرئيس التونسي "قيس سعيّد" ظهره لمخرجات الثورة التونسية، فانقلب بل تمرّد على دستور البلاد، ونصّب نفسه مقرِّرًا في كل مؤسسات الدولة السيادية. هذا الإجراء المفاجئ من الرئيس "سعيّد" - الشخصية السياسية المستقلة - عطّل مفاصل الدولة التونسية وخلق جوًا من الفوضى السياسية في البلاد، تنذر بأزمة قد تتطوّر أبعد من ذلك، بخلق جو غير صحي أبدًا، قد يوصل البلاد إلى حرب أهلية.
ساعدت أركان الدولة العميقة في تونس كثيرًا في تأزّم الأوضاع في البلاد، بخاصة على مستوى العمل التشريعي والنيابي داخل البرلمان، الذي انشغل كثيرًا في ترّهات داخلية، وجلسات غلب عليها النهج السفسطائي غير المجدي من قبل أطراف من فلول النظام السابق والعلمانيين، ممّن حاولوا إقصاء حركة النهضة عن المشهد السياسي التونسي، إضافة إلى تنازع السلطات بين مؤسسة الرئاسة والحكومة.
إنّ الحاصل في تونس اليوم ما هو إلا استمرار لمشروع عالمي مناهض للقوى والتيارات الإسلامية التي غدت تهدّد العروش وتكشف عوراتها وفسادها، وهذا بان بوضوح مع نجاح الثورات العربية في الإطاحة بالأنظمة المستبدة في بعض الدول العربية. هذا المشروع العدواني نجح في تحييد وحظر القوى الإسلامية في أكثر من قطر عربي مثل مصر وليبيا، والداخل الفلسطيني ، وسوريا واليمن والسودان، والآن تونس.
لقد غدا واضحا أنّ الرئيس "قيس سعيّد" يتصرّف بمشورة بعض الأنظمة العربية والغربية، وبالذات المعادية للثورات العربية، والخائفة على عروشها مثل بعض دول الخليج ومصر، المعادية لوصول قوى وتيارات إسلامية النهج إلى السلطة.
إنّ حركة النهضة التي سعت إلى نشر السلم الأهلي في تونس، وتحييد البلاد من الوقوع في فتنة داخلية، تواجه تحديًا كبيرًا جدًا ، إن لم تفلح في الخروج منها، إما بإنهاء الرئيس لمراسيمه القانونية وعودة البلاد إلى الحياة الدستورية الاعتيادية، أو نجاحها في اقناع القوى السياسية المختلفة وأقطاب السلطة بفتح حوار عام حول مجمل قضايا الخلاف تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة في البلاد. فحركة النهضة تواجه خطرًا حقيقيًا إما بالزج بقادتها في السجون والمعتقلات وتقديمهم للقضاء بتهم ملفّقة، أو إخراجها عن القانون وحظر نشاطها السياسي بالكامل، وهذا هو مطلب القوى العلمانية وفلول النظام البائد، ودول إقليمية بعينها،(التي لم تنجح في تونس وغيرها في إقصاء المشروع الإسلامي الحضاري عبر الصناديق والحسم الديموقراطي فلا تجد إلا الانقلاب والضرب بيد من حديد، وتجد لها أعوانًا ومؤيدين)، مما قد يعيد الحركة إلى مرحلة ما قبل الثورة،
إنّ الرئيس التونسي مطالب بإنهاء الأزمة الحالية بأقل الخسائر، حفاظًا على الشعب التونسي والسلم الأهلي، ومنعًا لحرب أهلية مدمّرة لا طاقة لبلد كتونس في تحمّل تبعاتها، لا بل قد تدفع ببعض الدول بالتدخل في شؤنها الداخلية.