بقلم أ. سامي حلمي

مستشار تنظيمي

 

ترشيد الاستهلاك في ظل أزمة الكورونا

 

لا شك أن وباء الكورونا هو أحد أزمات العصر التي أثّرت وما زالت تؤثر على مناحي متعددة من جوانب الحياة, فكثير من الناس يهتم بالتداعيات الاقتصادية والمعيشية، كان ذلك على المستوى المحلي أو العالمي لما في الأمر من أهمية على استمرار ما اعتادوا عليه من مستلزمات او مستهلكات أو كماليات وغيرها, وسؤالنا هنا هل يجب علينا كمستهلكين أن يكون سلوكنا الاستهلاكي في أوقات الرفاهية وأوقات الازمات سلوكًا مشابهًا؟.

 

الناظر إلى الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية يرى أنه توجد حالة من الانكماش الاقتصادي الذي يؤثر على الانتاج وعلى الاستهلاك في آن واحد، فنسبة البطالة في ازدياد مستمر وعدد المصالح التجارية التي تُغلق أبوابها بعشرات الآلاف والأحمال والمسؤوليات الملقاة على كاهل الحكومات كبير ومرهق.

 

  يقول خبراء الاقتصاد أنه في حال انتهى هذا الوباء الآن فإن بوادر التعافي الاقتصادي لن تبدأ قبل سنتين، وفي المقابل يقول خبراء البحث العلمي و الطبي إنه في حال تم اكتشاف لقاحٍ مضادٍ لفيروس الكورونا فإن التطعيم لأي دولة عينية لن يتم لأكثر من ثلث السكان, بمعنى أن متطلبات التعافي الاقتصادي والطبي ستأخذ وقتاً طويلًا, وهذا يعنى أن الأزمة مستمرة وأنه لا بد أن يكون لنا دور أساسي كمستهلكين في المشاركة الفاعلة في أخذ زمام الأمور نحو الترشيد الاستهلاكي للمنتوجات بأنواعها، فلا يُعقل أن يقول أحدنا: وهل لي دور كفرد في ذلك؟! ، دعنا نتصور أنّ مليون أو ملايين من البشر كان لديهم نفس التفكير اللامسؤول بأن كل واحد منهم لن يؤثر هو  كفرد على إحداث خلل، عندها علينا ان نتذكر أن أعظم جبل قد تكوَّن من ملايين بل مليارات من الحصى الصغيرة.

 

وعليه في ظل هذا التشخيص البسيط لا بد لكل واحد منا أخذ دور

ه المسؤول في ترشيد الاستهلاك أولًا على مستواه الشخصي، وثانيًا على مستوى عائلته وثالثًا على مستوى المشاركة الجماعية المجتمعية في تحجيم ظاهرة الاستهلاك المفرط, فالمعادلة "السحرية" من أجل ذلك هي مدى تفعيل الإرادة ومدى الإدراك المعرفي لما يدور حولنا وضبط النفس والتحكم بها.

 

وباختصار شديد، تغيير أنماط الاستهلاك التي اعتدنا عليها في أيام الرخاء من أجل الاستمرار في حياة كريمة وفق حاجاتنا الضرورية فقط, وهنا أود التطرق الى نقاط مهمة جدا علها تكون عوامل مساعدة في ترشيد الاستهلاك لنا ولمن حولنا :

•             نحن في الداخل مجتمع مستهِلك غير مُنتج لأن السياسات الحكومية الرسمية تريد لنا ذلك.

•             هيا بنا نتبع "وكلوا واشربوا ولا تُسرفوا" حتى يكون استهلاكنا وفق ما نحتاج

•             إتاحة الفرصة للتعاون العائلي في التعلم والتخطيط والتدرب على إعداد خطة اقتصادية منزلية يكون فيها حساب الأولويات لما يلزمنا فقط

•             أليست فترات الأزمات بمثابة دورة تدريبية لما سيكون من أزمات بعدها ولربما تكون أصعب بكثير من أزمة الكورونا؟

•             هي الفرصة للأب والأم أن يتصرفا كقدوة أمام أبنائهم في الترشيد وغيره, فلا يُعقل أن ننصحهم بالكلام فقط دون الفعل

•             الكماليات وما أدراك ما الكماليات, هل هذا وقتها؟ بالطبع لا, فمثلًا: يمكنك تأجيل تبديل السيارة أو التخلي عن السفر  لخارج البلاد، وهي فرصة جِدُّ مناسبة لتتصالح وتتعرف أكثر على محيطك الجميل من خلال التجوال والتنزه برفقة العائلة  التي طالما افتقدتك، من باب الرياضة ، والتخلي عن المصاريف الزائدة للمركبات أيضًا.

•             الابتعاد عن الإسراف في الطعام وأصنافه والابتعاد قدر الإمكان عن الطعام الجاهز, فإن الطعام من أهم المصروفات البيتية الاستهلاكية، ناهيك عن المردود الصحي في الاستهلاك الزائد وغير الضروري, فلا تتحرج أبدا في الاكتفاء بصنف واحد بل استهلك ما تبقى منه في اليوم التالي,  ويشمل ذلك عدم الإسراف في الطاقة والكهرباء والماء، فأنا متأكد أنك تستطيع غسل سيارتك بدلوين من الماء  بدلًا من عشرة وأكثر .

•             يمكننا الاقتصاد قدر الإمكان من المصروفات والعادات التي اعتدنا عليها في أعراسنا ومناسباتنا, ألا يكفي الاحتفاء بالضيوف بتشريفات وتضييفات بسيطة؟ ألا يمكن الاستغناء عن المصروفات الباهظة من قاعات ومفرقعات وكماليات و"بهرجات" ؟

في النهاية لا بد لنا أن نتبنى قاعدة أساسية لضبط أنفسنا في شرائنا وطعامنا واستهلاكنا وأن نعمل بمقتضاها والتي تقول "أكلما اشتهيتم اشتريتم؟" فلا بد لنا من ترسيخ ثقافة جديدة في حياتنا فممكن لأول وهلة أن تكون صعبة ولكن مع التصميم والتدرج ضمن البيئة والظروف التي نعيشها ستصبح عادة.