بقلم نادية ملك جبارين
ناشطة اجتماعية

                  العنف بين الموجود والمنشود

لا شك أن الطبيعة البشرية هي بالأصل طبيعة مسالمة تأبى أن يقع أذى من طرف على آخر، وتستسيغ وقوف كلٍّ عند حدوده وعدم التعرض للآخرين وتهديد استقرارهم، والأصل فيها الحفاظ على استقرارها هي أيضاً.
هذا الأسلوب المسمى باللاعنف لا يمكن وصفه بالتراجع أو التخاذل إنما هو أسلوب في محاربة البشر منعاً لاستفحال العنف وتغذيته بعنف مضاد.

إن كان العنف يستند إلى القوة في مجتمع الغابة للنيل من الضعفاء، فإن قوة الإنسان تكمن في حكمته وتعقله، ومن هنا فإن أصل اللاعنف هو قانون يحكم الإنسانية و يخدم البشريه.

ولكسب عقول الناس شرع الإسلام الأساليب الحوارية والسُّبُل الإقناعيه بدلاً من العنف والتجريح وإقصاء الآخرين لقوله تعالى "أُدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن "،
وقوله صل الله عليه وسلم "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"،
ولأن من سمات الحياة وجود الاختلاف بين الناس في الدين والمواقف والرؤى والأفكار فالوسيلة الوحيدة للجمع بين المتناقضات على نحو سلمي تبقى دائما هي عدم  الإكراه  على شيء من الأشياء لقوله تعالى "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ".

 

يطلعنا التاريخ على صور وأشكال كثيره للتسامح تعددت على مر العصور والفتوحات الإسلاميه ومواقف القادة المسلمين في كيفية التعامل مع الآخر والمختلف،مثال على ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره من الفاتحين المسلمين،خصوصاً في بيت المقدس عندما أعطى  الأمان للنصارى، ولا تزال الأجيال تتناقل الحديث عن عظمة العهدة العمرية.

يجب التأكيد على أن الأساليب لدى الإنسان كثيرة  ومتنوعه لإثبات ذاته ووجوده أمام الآخرين، لهذا فمن الخطأ بمكان أن يلجأ الإنسان دائماً إلى العنف، بل عليه التحلي بالعقلانية و المسؤوليه تجاه قدسية حياة الإنسان.

إنّ مشروعية العنف لا تتأكد إلا إذا كان المقصود من استخدامه هو إعادة الحقوق أو دفع الظلم عندما تكون الطريق مسدودة أمام جميع الخيارات السلمية فتكون مبرراته حينئذ منطقية، ولا يسمى عنفاً بالمعنى السلبي إنما الحزم والشدة لضرورة.


ومن الناحية التحليلية النفسية فإن اصل العنف يتحدد كصراع بين نزعتين أساسيتين نزعة الحياة ونزعة الموت، نزعة الحياة من شأنها التوجيه نحو المحافظة على حياة  الذات ونزعة الموت تنزع نحو إرجاع الحياة إلى السكون،إذن ،فالعنف حسب المحللين النفسيين موجود في المكبوتات اللاشعوريه وهذا ما يميل إليه بعض علماء النفس في تحليلاتهم وهو أقرب للواقع الذي نعيش فيه.


إزاء هذا الخطر المتصاعد وعجز المؤسسات عن معالجة العنف والحد من امتداده، حيث أنّ جميع النداءات والمناشدات الصادرة والجهود المبذولة من المؤسسات المعنية المختلفة لم تحقق الهدف، بل إن النتائج جاءت عكسية طالما لم تتم معالجة الظاهرة عرضياً وليس طولياً، بمعنى فرض وسائل تخدم الهدف المنشود بعيداً عن الاحتجاجات، وهكذا يمكن الانتقال من الموجود إلى المنشود.