بقلم البروفيسور إبراهيم أبوجابر

نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح

 

إسقاطات التطبيع على القضية الفلسطينية

فاجأت البعض موجة التطبيع الحالية بين دول عربية والكيان الإسرائيلي، إلا أنها لم تفاجئ العقلاء ولا بعيدي النظر أبدًا، فمنذ عقود من الزمن والغزل بين أنظمة عربية بعينها والإسرائيليين قائم بالسر والعلن. إِن عملية التطبيع الجارية مع الإسرائيليين ثمرة لعلاقات رسمية وغير رسمية بين شخصيات عربية رفيعة المستوى في الإقليم، أو في غرف مغلقة أو خلال ندوات ومؤتمرات دولية، وداخل أروقة الأمم المتحدة أيضاً.

إن عملية التطبيع الحالية نجاح للدبلوماسية الإسرائيلية (المدعومة، وبقوة، بالعصا الأمريكية الغليظة) ، ولا يشك اثنان في ذلك، فقد تمكّن الإسرائيليون من شل الجامعة العربية أولاً، ثم شقّ منظومة الدول العربية، وفَرْط عُقد وحدتها، وحملها على التنكّر للقضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين الأولى، وعَقد تحالفات استراتيجية مع الكيان الإسرائيلي الذي أصبح صديقا بعدما كان العدو الأول، وبالطبع فإنّ هذه التحالفات ستجرِّىء المؤسسة الإسرائيلية على زيادة الاستيطان وتهويد القدس والضغط على أهلها دون من ينكر عليها، إلا أن التطبيع المذكور سيبقى   بين أنظمة عربية رسمية بعينها فقط وليس مع الشعوب العربية، وهذا يعني تطبيعاً بارداً دون تفاعل للشعوب معه.

ستضر عملية التطبيع الجارية بدون أدنى شك بالقضية الفلسطينية على جميع المستويات، فالتطبيع هذا سيُفقد القضية دعم ومساندة العرب لها في المحافل الدولية ومواجهة الغطرسة الإسرائيلية، ثم سيُفقد الفلسطينيين عنصر المناورة لردع الكيان الإسرائيلي عن تطبيق مخططاته ومشاريعه الاستيطانية، مثل صفقة القرن وضم الضفة الغربية وإعلان السيادة الإسرائيلية عليها.

إن خذلان النظام الرسمي العربي للفلسطينيين والإرتماء في أحضان الإسرائيليين سيعيق لا محالة مشروع الدولة الفلسطينية، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وتطبيق القرارات الدولية المؤيدة للحقوق الشرعية للفلسطينيين، وسيحاول الجميع فرض حل هزيل لا يرتقي إلى مستوى طموحات وعذابات الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من سبعين عاماً من تاريخ قضيته، بخاصة وقد غدت جامعة الدول العربية أُلعوبة في أيدي الحكام العرب اللاهثين خلف سراب التطبيع.

تلقى الشعب الفلسطيني طعنة قوية بمسلسل التطبيع المذكور، وهذا صحيح، إلا أنه لن يحقق القائمون عليه أهدافهم أبداً ما دام أصحاب القضية رافضين لكل مشاريع تصفية قضيتهم، ومتشبثين بحقوقهم وثوابتهم الوطنية، فمصير كل هذه المشاريع المعلنة والسرية منها الفشل، ولا يحق لأي كان عربياً أو أعجمياً تقرير مصير الشعب الفلسطيني كيفما يشاء، أو الحديث باسمه في محفل أو منظمة إقليمية أو دولية.

لقد مر شعبنا الفلسطيني بمحن كالجبال، ومشاريع كثيرة فأفشلها بإرادته الصلبة، وتضحياته الجسام، وموقفه الذي لا تنازل فيه عن حقوقه المشروعة وثوابته ، وهو قادر اليوم أيضا الخروج من هذه الزوبعة بسلام بعدالة قضيته ووحدته الوطنية.