بقلم د. حسن صنع الله

 

المسجد البابري بين تلفيق الأدلة والتواطؤ الحكومي

 

ترى الهند نفسها شريكاً لأنظمة الاستبداد العربي والغرب والمؤسسة الإسرائيلية في حربها على الإسلام ومقدساته، وهي لا تألو جهداً في إظهار عنصريتها اتجاه المسلمين، والاعتداء على حقوقهم ومقدساتهم الدينية.

 

ومن أهم المقدسات الدينية الإسلامية التي تم الاعتداء عليها المسجد البابري، الذي يعود بناؤه إلى العصور الوسطى ويزيد عمره على 460 عاماً، والذي هُدم على يد غوغاء هندوس في بلدة أيوديا شمال الهند عام 1992  بتحريض من حكومات اليمين المتطرف، وقد أشعل هذا الهدم موجة من العنف الدامي، وكانت المحكمة العليا في الهند قد حكمت في 9 كانون ثاني 2019 بتسليم كل أرض المسجد  للهندوس ليبنوا معبداً هندوسياً.

 

تم في العام 1528 بناء المسجد البابري تحت حكم الملك المغولي المسلم ظهير الدين محمد بابر، ويزعم الكثير من الهندوس أن المسجد البابري بُني على أنقاض معبد بمكان مولد رام أو راما الذي يعدونه إلهً، ويزعمون أن الملك المغولي المسلم هدم معبدهم عام 1528 لبناء المسجد. وانطلاقاً من تلك المزاعم، قام الهندوس باعتداءات متكررة على المسجد انتهت بهدمه.

 

تسلسل تاريخي لأحداث الجريمة:

في العام 1885 قدم بعض الهندوس مطالبة في محاكم الاستعمار البريطاني في الهند بأن المسجد البابري قد شُيد بالقوة بعد هدم ما يسمى معبد رامجانا بومي الذي ولد فيه إلههم المزعوم راما، ولكن المحكمة البريطانية  رفضت طلب استعادة الموقع لأن المدعين الهندوس فشلوا في إثبات ادعائهم.

 

في يوم 22 كانون الأول 1949 هجمت مجموعة هندوسية على المسجد ووضعت فيه أصناماً، وفي اليوم التالي 23 كانون اول 1949 أعلنت الحكومة الهندية التي تعتبر مكان المسجد مكان ولادة ما يسمى الإله رام، مكانا متنازعاً عليه بين الهندوس والمسلمين، وقامت الشرطة الهندية بإغلاق بوابات المسجد ومنعت المسلمين من الصلاة فيه.

 

من العام 1950 ولغاية 1961 تم رفع أربع دعاوى مدنية في المحكمة تراوحت بين ادعاء هندوسي لحق إقامة شعائر دينية في المكان وبين مطالب المسلمين لحق الملكية على المكان. في العام 1984 تم تشكيل لجنة من قبل جماعات هندوسية في مقدمتهم المجلس الهندوسي العالمي اليميني المتطرف، والمنتشر في 29 دولة خارج الهند، من أجل بناء معبد هندوسي، وفي 3 تشرين ثاني سمح رئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندي للهندوس بوضع حجر الأساس في ساحة المسجد. في العام 1990 قاد زعيم حزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني المتطرف  "لال كريشنا أدفاني"  حملة على مستوى البلاد لبناء معبد رام في مكان المسجد. في السادس من كانون أول عام 1992 أقدم رعاع هندوس على هدم المسجد البابري وسووه بالأرض، وعلى أثر هذا العمل الآثم اندلعت أعمال عنف في جميع أنحاء البلاد راح ضحيتها 2000 قتيل  غالبهم من المسلمين ، وكان هدم المسجد بمثابة "يوم أسود" للمسلمين، واعتبرت هذه المواجهات الطائفية الأعنف في الهند منذ استقلالها عام 1947. في العام 2003 وبتوجيه من المحكمة المنحازة للهندوس قامت لجنة أثرية بفحص وجود آثار لمعبد أسفل المسجد، وجاءت توصيات اللجنة متماهية مع قناعات المحكمة والحكومة الهندية بإثبات وجود اثار لمعبد أسفل المسجد، الامر الذي شكك فيه العديد من علماء الآثار والمسلمون.

 

في أيلول 2010 قرر ثلاثة قضاة في محكمة

"الله أباد" العليا أن الموقع المتنازع عليه يجب أن يتقاسمه الهندوس والمسلمون.

 

وقالت المحكمة إن ثلثي الموقع الذي تبلغ مساحته 2.77 فدانًا ينتمي إلى مجموعات هندوسية مختلفة والباقي للمسلمين (مجلس الوقف المركزي السني). ولكن هذا الحكم تم تعليقه في أيار 2011 من قبل المحكمة العليا في الهند، بسبب طُعون من قبل الهندوس والمسلمين.

 

في تشرين الثاني 2010 اتهم تقرير حكومي تم تسريبه للبرلمان زعماء من المعارضة الهندوسية بلعب دور في تدمير مسجد بابري، وجاء فيه أن زعماء "بهاراتيا جاناتا" لعبوا دوراً في التخطيط لتدمير المسجد، ومن بين الأسماء الواردة في التقرير رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي.

 

في 8 اذار 2019 شكلت المحكمة العليا لجنة وساطة برئاسة قاضي المحكمة العليا السابق فاخر محمد إبراهيم خليف الله للتوصل إلى تسوية خارج المحكمة، ولكن جهود الوساطة باءت بالفشل. في 16 تشرين أول قررت المحكمة العليا المركبة من خمسة أعضاء إبقاء الحكم على ما هو عليه لصالح الهندوس، وعليه في التاسع من كانون ثاني 2019 قررت المحكمة العليا تسليم موقع المسجد في أيوديا للجنة وصاية لتشرف على بناء معبد هندوسي، مقابل منح المسلمين أرضاً بديلة بمساحة هكتارين، لبناء مسجد عليها، في منطقة أيوديا، بولاية أوتار براديش.

 

في 5 آب 2020 وضع رئيس الوزراء الهندي المتطرف ناريندرا مودي حجر الأساس لمعبد هندوسي على أنقاض المسجد الذي هدمه المتطرفون الهندوس أتباع حزبه بهاراتيا جاناتا المتطرف قبل 30 عاماً، وقد استغل حزبه هذا الموضوع لاستقطاب أصوات الهندوس لصالحه في الاستحقاقات الانتخابية، في حين لم يلق هذا العمل المتطرف من رئيس الوزراء مودي وأتباع حزبه أي رد فعل عربي وإسلامي وعالمي بل يُستقبل في دولة الإمارات بحفاوة، لا بل تبني لهم معبداً هندوسياً على أرضها.