بقلم أ.يوسف كيال
في البروة...كان لي أهل
أعيش في كل لحظة من عمري الألم الذي حلَّ بوالداي عام 1948 ، وتحديدًا في منتصف أيار من ذلك العام ، حيث كان والداي كباقي أهلنا الفلسطينيين في ديارهم آمنين مطمئنين وقد تأصلت العلاقة بينهم وبين الأرض والديار فأحبوها واحتضنتهم منذ قرون طويلة كما أخبروني .
طالتهم في هذا التاريخ يد الظلم والغدر فأخرجوهم من ديارهم ، ارتكبوا المجازر ، نكَّلوا بشبابهم ورجالهم وهدموا بيوتهم فأصبح أهلي كغيرهم من أهلنا الفلسطينيين يحملون بطاقة لاجئ على أرضه وخارج أرضه،مهجَّرًا قصرًا بحكم القوة وهم لا حول لهم ولا قوة.
عَلَّمَني والداي أن للظلم صولة وللحق صولات وجولات ولن يضيع حق مظلوم ما دام يسعى لاسترداده، وحقهم حتمًا سيعود .
و عَلَّمَني والداي أن حب الأرض والوطن واللغة والقِيَم والدين والتعلق بهم هو شرف الإنسان وكرامته وهي ثوابت ومسلمات، خائن وغادر ومنزوع من إنسانيته من فرّط فيها .
و عَلَّمَني والداي أن حقن شرايين أبنائنا بحبِّ الوطن والدين واللغة هو الضامن لتحطم كل المؤامرات والتدابير السيئة لأبناء شعبنا .
و عَلَّمَني والداي أن صخرة التمسك بثوابتنا هي كافية لتحطيم كل المؤمرات والقرارات والمخططات والسياسات الظالمة سواء كانت من الغاصب أو عملائه أو القوة الدولية الداعمة له أو الأنظمة الرجعية المنبطحة أمام عتبات التطبيع والغدر والتآمر بحق شعبنا .
و عَلَّمَني والداي أن أحبّ الزيتون والتين والسماق والزعتر والميرامية والصبّار والتوت والسنديان حتى لو حظروا قطفها أو نسبوها ظلما وزورًا لغير ثوها الفلسطيني .
و عَلَّمَني والداي أن من يهدم البيوت ويقلع الأشجار ويشرد الإنسان بغير حق، له عاقبة سوء وسيدفع الثمن غاليًا يومًا ما .
و عَلَّمَني والداي أن العودة للأرض حق تاريخي ، إنساني ، قانوني وديني وغير قابل للتبديل أو التغيير أو البطلان أو المساومة .
و عَلَّمَني والداي أن الصفقات والمخططات والتسويات التي تنتقص من حقوق شعبنا سواء كانت ما يسمى "صفقة القرن" أو اتفاقية أوسلو أو غيرها مآلها وأصحابها إلى هوامش التاريخ، بل إلى صفحاته السوداء التي لا مكان لها في سجل صنّاع التاريخ الشرفاء .
و عَلَّمَني والداي أننا حتمًا سنعود إلى ديارنا وأوصياني أن أُعَلِّمَ كلَّ هذا أبنائي، وأن يُعَلِّمَ أبنائي كلَّ هذا أبناءهم، وألاّ خيار لنا في المستقبل إلا العودة إلى ديارنا وأرضنا في البروة وسائر أرض الوطن بإذن الله.