بقلم د. حسن صنع الله

تونس تحديات وآمال

خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد عن قضايا الحقوق والحريات والمرأة والتزامه بتطبيق القانون والدستور واستمرارية الدولة والدفاع عن الفقراء ومحاربة الجريمة بكل أنواعها ودعمه للقضية الفلسطينية، هو خطاب مفعم بقيم الحرية ودولة القانون والروح الثورية التي جاء من أجلها الربيع العربي، وهو عبارة عن خطاب يتضمن مبادئ عامة لسياسات تفصيلية على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي والسياسي والعلاقات الخارجية، ولا شك أن تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع من قبل سعيّد وحلفائه سيخضع لامتحان صعب، ويبقى السؤال هل ستصمد هذه الخارطة السياسية التي يعد بها سعيّد الجمهور التونسي أمام التحديات الداخلية والخارجية، خصوصا وأن تونس منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بالدكتاتور بن علي...وهي تتعرض لمؤامرات داخلية من أقطاب الدولة العميقة وأخرى خارجية من دول عربية وغربية من أجل وأد روح التحول الديمقراطي الحقيقي في تونس.

مما لا شك فيه أن خطاب سعيّد حول القضية الفلسطينية وموقفه من الصهيونية التي تعكس الضمير الجمعي للشعوب العربية قاطبةً وليس فقط الشعب التونسي، وكذلك حديثه عن سيادة تونس ومراجعة بعض الاتفاقيات التي تمس هذه السيادة ولا تتماشى مع مصالح الشعب التونسي لا تشكل خطرًا على مشروع وبرنامج سعيّد فحسب بل على حياة سعيّد شخصيًا. إن السقف العالي الذي حدده سعيّد في برنامجه بكل جرأه هو نفس السقف الذي رسمه الرئيس التركي ويسعى إلى تحقيقه، وعليه نرى ما تمر به تركيا اليوم من مؤامرات من الدول العربية والغربية على حد سواء، بدءًا من محاولات الانقلاب وضرب الاقتصاد والعملة التركية، ومرورًا بدعم الجماعات الارهابية التي تحاربها تركيا بالسلاح، وانتهاءً بمعاداة تركيا بشكل علني وواضح وفرض عقوبات عليها بعد فشل كل المحاولات السابقة من قبل أمريكا وأوروبا حلفاء تركيا في الناتو.

نجاح سعيّد أيضًا مرهون بنجاح النهضة في تشكيل حكومة وحدة وطنية لكي ينجح سعيّد في تجميع الكل التونسي، ولكن حتى الآن الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة، مثل حركة الشعب والتيار الديمقراطي، لم يبديا الرغبة للتعاون مع النهضة، بل على العكس تتهم هذه الاحزابُ النهضةَ بالتحالف مع المنظومة القديمة وأنها فشلت في محاربة الفساد والارتهان للخارج، وعليه سيكون أمام النهضة خوض مفاوضات صعبة من أجل تذليل العقبات وكسب الثقة من جديد. وعلى أيه حال أي حكومة تتشكل سيكون عليها مواجهة معضلة الدَّين الخارجي والعجز في الميزانية، وهذا بدوره كفيل بخلق المشاكل لأي حكومة بعيدًا عن الخلافات السياسية والايديولوجية، وبعيدًا عن الضغوطات الخارجية. 

  إن التحدي في المشهد التونسي كبير وخطير، ولكنه يبعث على الأمل في حال نجاحه، فتونس شكلت ولا زالت تشكل إلى الآن مشهدًا من مشاهد الربيع العربي، ومما لا شك فيه أن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في دول الربيع العربي تتشابه من حيث استمرار حالة الإحباط والكبت لدى قطاعات واسعة من الشباب، بسبب الفقر والبطالة والقمع السياسي والفساد المالي والإداري وإهدار مقدرات الشعوب، وعليه فإن نجاح النموذج التونسي سيشكل رافعةً لهذه الشعوب لكي تنتفض على الظلم والقهر والاستبداد وتستمر في نضالها حتى ظهور شمس الحرية وتحرير الاوطان.