بقلم البرفيسور إبراهيم أبو جابر

 

واقع المجتمع العربي بعد انتخابات الكنيست

تعرّض المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني لحملة إعلامية موجّهة من الأحزاب الصهيونية بخاصة حزب الليكود وزعيمه نتنياهو من جهة، والأحزاب العربية من جهة أخرى، جعلته فاقدا لبوصلة الفهم السياسي الصحيح وغير عابئ بما يرسم له من سياسات وخطط واستراتيجيات قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى.

لقد خطت الأحزاب العربية (عدا التجمع) خطوة غير مسبوقة أسمتها بالتاريخية بتوصيتها على مرشح صهيوني لتركيب الحكومة، في محاولة منها خوض اللعبة السياسية بكل تفاصيلها الدقيقة. هذه الخطوة التي لها ما بعدها على جميع المستويات، تبنّتها الأحزاب العربية انطلاقا مما حصلت عليه من مقاعد في الكنيست الإسرائيلي، ونسبة التصويت لها، التي بلغت 81% تقريبا من عدد من مارسوا حق التصويت من الفلسطينيين في الداخل أي ما يعادل 47.79% من إجمالي أصحاب حق التصويت من الفلسطينيين في الداخل، رأت فيها تفويضا لها في التحرّك السياسي بعيدا عن النمط التقليدي المعتاد، مبرّرين خوضهم غمار العمل السياسي هذا سعيا الى تحقيق أكبر قدر ممكن من مصالح الجماهير العربية.

إنّ المراقب لسلوكيات قادة العمل السياسي الحزبي خلال الحملة الانتخابية وبعدها، يدرك تماما مدى تخبّطهم وفقدانهم لبوصلة العمل المنظم والمؤدلج بخاصة في خطابهم السياسي والإعلامي، مما ينذر بحالة من القلق وبحق على مصير ثوابت المجتمع العربي التي ما انفك ينافح عنها بقوة في مواجهة آلة البطش والفاشية الإسرائيلية. إنّ مقايضة الثوابت بالقضايا المطلبية مهما كانت نوعيّتها عمل مرفوض جملة وتفصيلا، وصفارة إنذار خطيرة لما هو آت في قادم الأيام.

سيواجه المجتمع العربي في الداخل مجموعة من التحديات على مستويات عدّة، في حال أصرّ العرب في الكنيست على المشاركة السياسية على طريقتهم الخاصة، سواء تشكيل شبكة أمان للحكومة الإسرائيلية القادمة، أو مشاركة بعض الأعضاء العرب في هذه الحكومة. فالخطوة التاريخية التي تبنّتها الأحزاب العربية تعني مزيدا من الأسرلة والهرولة إلى التطبيع الطوعي مع الكيان الصهيوني له ما بعده مثل: زيادة قوة الداعمين لمشروع الخدمة المدنية لا بل ربما العسكرية مستقبلا، ناهيك عن التراخي في الدفاع عن ثوابت شعبنا وربما التخلي عن بعضها مقابل تحقيق بعض المطالب الجماعية، تطبيقا لنظرية الغاية تبرر الوسيلة، ثم الدفع ولو بطريقة غير مباشرة نحو دعم الرواية الإسرائيلية في الصراع على حساب الرواية الفلسطينية.

 وسيعاني المجتمع العربي في الداخل أيضا من بروز تيارات داخل قيادات الأحزاب العربية بخاصة أعضاء الكنيست الجدد، لا يمانعون في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي مقابل الحصول على الحقوق المدنية، نتيجة إما لخيبة أملهم في التوصل الى حل للصراع، أو قصر نظرهم سياسيا، وهذا إن حصل فإنما يعني رفع الراية البيضاء والقبول بالأمر الواقع، والمشاركة في كل مكوّنات ومؤسسات الكيان الإسرائيلي.

وأخيرا، صحيح ان الأحزاب العربية أدخلت الجماهير العربية في دهاليز السياسة الرسمية الإسرائيلية وبرضى البعض من مركبات مجتمعنا العربي، الا أنّ صوت المعارضين لهذا النهج حاضر ولن يخبو أبدا بغض النظر عمّا سيحققه هذا التيار من إنجازات ما معيشية وحياتية ومطلبيّة، لا تساوي شيئا أمام التمسّك بثوابت شعبنا الدينية والوطنية، والتي ستسقط كل رهان عليها مهما بلغ مداه سياسيا ومطلبيا!!